ولقد ذكر الله تعالى لمشركي مكة ما جاءهم من عبر ، وما ساقه من قصص هاد مرشد فقال عز من قائل:{ أفلم يهد لهم كم أهلكنا قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إن في ذلك لآيات لأولى النهى 128} .
الكلام في هذه الآية يتعلق بمشركي مكة ، و"الفاء"عاطفة على فعل محذوف تقديره مثلا:أيستمرون في عبادة الأوثان مع قيام العبر الدالة على ضلالهم فلم يهد لهم كم أهلكنا قبلهم من القرون .
"هدى"تتعدى بنفسها من غير "لام"فيقال هداه ويهديه ، واللام لتقوية التعدية والتنبيه ، وبيان الهداية لهم أولا وبالذات ، أو نقول إن "يهدي"هنا متضمنة معنى "يتبين"، والمعنى أو لم يتبين لهم كم أهلكنا ، والاستفهام هنا إنكاري بمعنى إنكار الواقع ، والمعنى لم يعتبروا بمن أهلكناهم في عددهم الكثير ، وهم يشاهدون آثارهم ، ويمشون في مساكنهم ، يمرون عليها في رحلاتهم إلى الشام والعودة منه ، ولقد مر النبي صلى الله عليه وسلم بمساكن ثمود وهو مار في غزوة تبوك{[1498]} .
{ إن في ذلك لآيات لأولى النهى} إن في هذه العبر عن القرون الماضية ، وهي الجماعات السالفة لعبرة لمن عنده اعتبار ، وقال تعالى:{ لأولى النّهى} والنهى جمع نُهْيَة ، وهي العقل الذي ينهى عن مساوئ الأفكار ويحث على محاسنها ، وكان حقا أن يعتبروا ، ولكن ضعفت العقول ، وقل الاعتبار .
ولقد كان المشركون لفرط إعراضهم ، وصدهم عن سبيل الله يستعجلون العذاب تحديا أو جهلا ، كما قال تعالى:{ ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة وقد خلت من قبلهم المثلات . . . 6} ( الرعد ) ، ولكن الله تعالى بين أنه قادر عليهم ، ولكن لحكمة أخرهم ، فقال:
{ ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى 129} .