{أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ}: أفلم يبيّن لهم .
{أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّنَ الْقُرُونِ} أي ألم يسلكوا سبيل الهدى ،ويتبين لهم حال الأمم السابقة التي أهلكناها في القرون الماضية ،وهم{يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ} ولم يعد لهم أي أثر .{إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لأولِي النُّهَى} أي أصحاب العقول الذين يحاولون أن يثيروا التفكير في ما يشاهدونه ليحلِّلوا الفكرة التي توحي بفكرةٍ أخرى ،ليخرجوا بالنتيجة الواقعية ،وهي أن مواقع القوّة الطارئة التي يملكها الكثيرون من الناس فيطغون ويعيثون في الأرض فساداً ،لا تدوم لهم ،لأن الله سيدمّرهم في الدنيا ،كما دمّر السابقين من قبلهم ،ويعذبهم في الآخرة ،ليعيدوا النظر في مواقفهم المنحرفة في خط الكفر والضلال حتى لا يحل بهم ما حل بأولئك ..
وتلك هي قيمة العقل عندما يتحرك ليواجه الأمور بدقّةٍ وموضوعيةٍ ،لينتهي إلى النتائج الصحيحة ،من موقع المسؤولية عن الفكر والحياة ،بعيداً عن الانفعال ،أو الانجرار تحت تأثير وضع تقليدي أو نفسيّ أو اجتماعي ،لأن ذلك هو الذي يحفظ للفكر توازنه ،وللحياة ثباتها وقوّتها واستقامتها في الاتجاه السليم .ولذلك كان التوجيه القرآني يؤكد على قيمة العقل كأساس للمعرفة وللإيمان ،وعلى دور أصحاب العقول ،كنموذج للفئة الواعية المؤمنة التي تحمل مسؤولية الحياة من موقع الحسابات العقلية الدقيقة .