جملة{ إنَّ السَّاعة ءَاتِيَة} مستأنفة لابتداء إعلام بأصل ثان من أصول الدّين بعد أصل التوحيد ،وهو إثبات الجزاء .
والساعة: علَم بالغلبة على ساعة القيامة أو ساعة الحساب .
وجملة{ أكَادُ أُخْفِيهَا} في موضع الحال من الساعَةَ ،أو معترضة بين جملة وعلّتها .
والإخفاء: الستر وعدم الإظهار ،وأريد به هنا المجاز عن عدم الإعلام .
والمشهورُ في الاستعمال أن « كاد » تدلّ على مقاربة وقوع الفعل المخبر به عنها ،فالفعل بعدها في حيّز الانتفاء ،فقوله تعالى:{ كادُوا يكونون عليه لِبداً}[ الجنّ: 19] يدلّ على أن كونهم لِبَداً غير واقع ولكنه اقترب من الوقوع .
ولما كانت الساعة مخفية الوقوع ،أي مخفية الوقت ،كان قوله{ أكاد أُخفيها} غير واضح المقصود ،فاختلفوا في تفسيره على وجوه كثيرة أمثلها ثلاثة .
فقيل: المراد إخفاء الحديث عنها ،أي من شدّة إرادة إخفاء وقتها ،أي يراد ترك ذكرها ولعلّ توجيه ذلك أنّ المكذبين بالساعة لم يزدهم تكرر ذكرها في القرآن إلا عناداً على إنكارها .
وقيل: وقعت{ أكَادُ} زائدة هنا بمنزلة زيادة كان في بعض المواضع تأكيداً للإخفاء .والمقصود: أنا أخفيها فلا تأتي إلاّ بغتة .
وتأوّل أبو عليّ الفارسي معنى{ أُخْفِيها} بمعنى أظهرها ،وقال: همزة{ أخفيها للإزالة مثل همزة أعْجَم الكتابَ ،وأشكى زيداً ،أي أزيل خفاءَها .والخفاء: ثوب تلفّ فيه القِربة مستعار للستر .
فالمعنى: أكاد أظهرها ،أي أظهر وقوعها ،أي وقوعها قريب .وهذه الآية من غرائب استعمال ( كاد ) فيضم إلى استعمال نفيها في قوله:{ وما كادوا يفعلون} في سورة البقرة ( 71 ) .
وقوله{ لتجزى} يتعلّق بآتِيَةٌ وما بينهما اعتراض .وهذا تعليم بحكمة جعل يوم للجزاء .
واللام في{ لِتُجْزى كلُّ نَفْسٍ} متعلّق بآتِيَةٌ .
ومعنى{ بِمَا تسعى} بما تعمل ،فإطلاق السعي على العمل مجاز مرسل ،كما تقدم في قوله:{ ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها} في سورة الإسراء ( 19 ) .
وفُرع على كونها آتية وأنها مخفاة التحذيرُ من أن يصدّه عن الإيمان بها قوم لا يؤمنون بوقوعها اغتراراً بتأخر ظهورها ،فالتفريع على قوله أكاد أُخفيها} أوقع لأنّ ذلك الإخفاء هو الذي يُشبّه به الذين أنكروا البعث على الناس ،قال تعالى:{ فسينغضون إليك رؤوسهم ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريباً}[ الإسراء: 51] وقال:{ وإذا قيل إن وعد الله حق والساعة لا ريب فيها قلتم ما ندري ما الساعة إن نظن إلا ظناً وما نحن بمستيقنين}[ الجاثية: 32] .