ولما كان المعاد هو الأصل والأساس الثّاني ،فبعد ذكر التوحيد وأغصانه وفروعه ،أضافت الآية التالية: ( إِنّ الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تعسى ) .
في هذه الجملة نقطتان يجب الالتفات إِليهما:
الأُولى: إن معنى جملة ( أكاد أخفيها ): يقرب أن أخفي تاريخ قيام القيامة ،ولازم هذا التعبير أنّي لم أخفه من قبل ،ونحن نعلم بصريح كثير من آيات القرآن ،أن أحداً لم يطلع على تاريخ القيامة ،كما في الآية ( 187 ) من سورة الأعراف حيث نقرأ: ( يسألونك عن الساعة أيّان مرساها قل إِنّما علمها عند ربّي ) .
لقد بحث المفسّرون هذا الموضوع ،فالكثير منهم يعتقد أن هذا التعبير نوع من المبالغة ومعناه: إِن وقت بدء وقيام القيامة مخفي ومجهول إِلى الحد الذي أكاد أخفيه حتى عن نفسي .وقد وردت في هذا الباب رواية أيضاً ،ويحتمل أن هذه الفئة من المفسّرين قد اقتبسوا رأيهم من تلك الرّواية .
والتّفسير الآخر هو أن مشتقات ( كاد ) لا تعني دائماً الإِقتراب ،بل تأتي أحياناً بمعنى التأكيد ،ولذلك فإِنّ بعض المفسّرين فسر ( أكاد ) ب ( أريد ) وقد جاء هذا المعنى صريحاً في بعض متون اللغة{[2416]} .
والنقطة الأُخرى: إِنّ علّة إِخفاء تاريخ القيامة حسب الآية ،هي: ( لتجزى كل نفس بما تسعى ) وبتعبير آخر: فإِنّ كون الساعة مخفية سيوجد نوعاً من حرية العمل للجميع .ومن جهة أُخرى فإِن وقتها لما لم يكن معلوماً بدقة ،ويحتمل أن يكون في أي وقت وساعة ،فإِنّ نتيجة هذا الخفاء هي حالة الإِستعداد الدائم والتقبل السريع للبرامج التربوية ،كما قالوا في فلسفة إِخفاء ليلة القدر: إِن المراد أن يحيى الناس كل ليالي السنة ،أو كل ليالي شهر رمضان المبارك ،ويتوجهوا إِلى الله سبحانه .