ثم أشار إلى وجوب إفراده بالعبادة وإقامة الصلاة لذكره ،بقوله:{ إِنَّ السَّاعَةَ ءاَتِيَةٌ} أي واقعة لا محالة{ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى} أي بسعيها عن اختيار منها .واللام متعلقة ب{ ءاَتِيَةٌ} .
ولما كان خفاء الساعة من اليقينيات وفي ( كاد ) معنى القرب من ذلك ،لعدم وضعها للجزم بالفعل ،تأولوا الآية على وجوه:
أحدها:أن ( كاد ) منه تعالى واجب .والمعنى أنا أخفيها عن الحق .كقوله:( عسى أن يكون قريبا ) أي هو قريب .
ثانها– قال أبو مسلم:{ أكاد} بمعنى أريد كقوله تعالى:{ كذلك كدنا ليوسف} ومن أمثالهم المتداولة ( لا أفعل ذلك ولا أكاد ) أي ولا أريد أن أفعله .قال الشهاب:تفسير{ أكاد} ب ( أريد ) هو أحد معانيها .كما نقله ابن جني في ( المحتسب ) عن الأخفش .واستدلوا عليه بقوله .
كادت وكدت وتلك خير إرادة لو *** عاد من لهو الصبابة ما مضى
بمعنى أرادت .لقوله ( تلك خير إرادة ) .
ثالثها:أن{ أكاد} صلة في الكلام .قال زيد الخيل .
سريع إلى الهيجاء شاك سلاحه *** فما إن يكاد قرنه يتنفس
رابعها:أن المعنى أكاد أخفيها فلا أذكرها إجمالا ولا أقول هي آتية .وذلك لفرط إرادته تعالى إخفاءها .إلا أن في إجمال ذكرها حكمة ،وهي اللطف بالمؤمنين ،لحثهم على الأعمال الصالحة ،وقطعه أعذار غيرهم حتى لا يعتذروا بعدم العلم .وثمة وجوه أخر لا تخلوا من تكلف ،وإن اتسع اللفظ لها .