من بعدها تلقى موسى أوّل جملة من الوحي على شكل ثلاثة أُمور: ( إِنّني أنا الله لا إِله إِلاّ أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري ) شرعت هذه الآية في بيان أهم أصل لدعوة الأنبياء في هذه الآية ،ألا وهو مسألة التوحيد ،وبعدها ذكرت موضوع عبادة الله الواحد كثمرة لشجرة الإِيمان والتوحيد ،ثمّ أصدرت له أمر الصلاة بعد ذلك ،وهي تعني أكبر عبادة وأهم ارتباط بين الخلق والخالق ،وأكثر الطرق تأثيراً في عدم الغفلة عن الذات المقدسة .
إِنّ هذه الأوامر الثلاثة ،مع أمر الرسالة الذي ورد في الآية السابقة ،ومسألة المعاد التي تأتي في الآية التالية ،تشكّل مجموعة كاملة ومضغوطة من أصول الدين وفروعه ،وتكملها بالأمر بالإِستقامة الذي سيأتي في آخر الآيات مورد البحث .
بحث:
الصلاة أفضل وسيلة لذكر الله
أشير في الآياتمحل البحثإِلى واحدة من أهم أسرار الصلاة ،وهي أن الإِنسان يحتاج في حياته في هذا العالموبسبب العوامل المؤدية إِلى الغفلةإِلى عمل يذكّره بالله والقيامة ودعوة الأنبياء وهدف الخلق في فترات زمنية مختلفة ،كي يحفظه من الغرق في دوامة الغفلة والجهل ،وتقوم الصلاة بهذه الوظيفة المهمّة .
إِنّ الإِنسان يستيقظ في الصباح من النوم ..ذلك النوم الذي عزله عن كل موجودات العالم ،ويريد أن يبدأ نشاطه الحياتي ،فقبل كل شيء يتوجه إِلى الصلاة ،ويصفي قلبه وروحه بذكر الله ،ويستمد منه القوّة والمدد ،ويستعد للجد والسعي الممتزج بالصدق والمودة .
وعندما يغرق في زحمة الأعمال اليومية ،وتمضي عدة ساعات وقد نسي ذكر الله ،وفجأة يحين الظهر ،ويسمع صوت المؤذن: الله أكبر !حي على الصلاة !فيتوجه إِلى الصلاة ويقف بين يدي ربّه ويناجيه ،وإِذا كان غبار الغفلة قد استقر على قلبه فإِنّه يغسله بهذه الصلاة ،ومن هنا يقول الله سبحانه لموسى في أوّل الأوامر في بداية الوحي: ( وأقم الصلاة لذكري ) .
وممّا يجلب الإِنتباه أنّ هذه الآية تقول: ( وأقم الصلاة لذكري ) أمّا الآية ( 28 ) من سورة الرعد فتقول: ( ألا بذكر الله تطمئن القلوب ) والآيات ( 2730 ) من سورة الفجر تقول: ( يا أيّتها النفس المطمئنة ارجعي إِلى ربّك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي ) وإِذا جعلنا هذه الآيات الثلاثة جنباً إِلى جنب فسنفهم جيداً أن الصلاة تذكر الإِنسان بالله ،وذكر الله يجعل نفسه مطمئنة ،ونفسه المطمئنة ستوصله إِلى مقام العباد المخلصين والجنّة الخالدة .