قوله: ( إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني ) وهذا بيان من الله لكليمه موسى عليه السلام عن أعظم حقيقة يجب عليه أن يقف عليها ويعمل بمقتضاها وهي أن الله واحد لا شريك له ،وأنه لا إله غيره ،فعليه أن يعبده وحده ،وذلك بالخضوع لجلاله والاستسلام لأمره .
قوله: ( وأقم الصلاة لذكرى ) أي صل لكي تذكرني ؛فإن الصلاة تشمل على الأذكار .أو لأجل أن أذكر بالثناء ،وقيل: إذا نسيت الصلاة فتذكرت ،صل ،وهذا الراجح ،لما روي في الصحيحين عن أنس قال: قال رسول الله ( ص ):"من نام عن صلاة أو نسيها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا لك "وروى الدارقطني عن أبي هريرة رضي الله عنه ،عن النبي ( ص ) قال:"من نسي صلاة فوقتها إذا ذكرها "والأمر هنا للوجوب .وهذا دليل على وجوب القضاء على كل من النائم أو الساهي ،والغافل ،سواء كانت الصلاة الفائتة كثيرة أو قليلة .وقد ذهب إلى ذلك عامة العلماء .وحكي خلاف ذلك مما هو شاذ لا يُعتد به ؛فقد ذكر أن ما زاد على خمس صلوات لا يجب أن يقضى .وهو قول بغير دليل فلا ينظر إليه .
وعلى هذا لو فاتته صلاة يجب أن يقضيها .وقيل: يقضيها على الترتيب فلو ترك الترتيب في قضائها جاز عند الإمام الشافعي .ولو دخل عليه وقت فريضة وتذكر فائتة ؛فإن كان ثمة سعة في الوقت استحب أن يبدأ بالصلاة الفائتة ولو بدأ بصلاة الوقت جاز ،أما إن ضاق الوقت بحيث لو بدأ بالفائتة ؛فإنه يفوته الوقت ،وجب أن يبدأ بصلاة الوقت كيلا تفوت .ولو تذكر الفائتة بعد ما شرع في صلاة الوقت ؛أتمها ثم قضى الفائتة ،ويستحب أن يعيد صلاة الوقت بعدها من غير وجوب .هذا جمله مذهب الشافعية في المسألة{[2946]} .
أما المالكية: فجملة مذهبهم أن من ذكر صلاة وقد حضر وقت صلاة أخرى ؛فإنه يبدأ بالتي نسيها إذا كان خمس صلوات فأدنى .وإن كان أكثر من ذلك بدأ بالتي حضر وقتها .ويشبه هذا مذهب الحنفية والثوري والليث ،إلا الحنفية قالوا: الترتيب عندنا واجب في اليوم والليلة إذا كان في الوقت سعة للفائتة ولصلاة الوقت فإن خشي فوات الوقت بدأ بها .أما إن زاد على صلاة يوم وليلة ؛لم يجب الترتيب .
واستدلوا على ذلك بقوله تعالى: ( وأقم الصلاة لذكرى ) أي لتذكرها .واللام بمعنى عند .فيكون المعنى: أقم الصلاة المتذكرة عند تذكرها .وذلك يقتضي رعاية الترتيب .واستدلوا كذلك بالخبر:"من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها "والفاء للترتيب ،واستدلوا من الأثر بما رواه جابر بن عبد الله قال:"جاء عمر بن الخطاب ( رضي الله عنهما ) إلى النبي ( ص ) يوم الخندق فجعل يسب كفار قريش ويقول: يا رسول الله ما صليت صلاة العصر حتى كادت تغيب الشمس ،فقال النبي ( ص ):"وأنا والله ما صليتها بعد "قال: فنزل إلى البطحاء وصلى العصر بعد ما غابت الشمس ،ثم صلى المغرب بعدها .وهذا يدل على لزوم البداءة بالفائتة قبل الحاضرة .
أما ترك الصلاة عمدا ،فيجب فيه القضاء على التارك وإن كان عاصيا وعليه التوبة والاستغفار عند كل قضاء وهو قول الجمهور .
والفرق بين المتعمد والناسي والنائم ،وهو حطّ الإثم عن الأخيرين ،أما الأول وهو المتعمد فهو آثم فلزمه الاستغفار .لكن الجميع يلزمهم القضاء لقوله تعالى: ( وأقيموا الصلاة ) وذلك من غير فرق بين أن يكون ذلك في وقتها أو بعدها .ولئن ثبت الأمر بقضاء النائم والناسي وكان ذلك في حقهما واجبا مع أنهما غير آثمين ؛فإن العامد أولى بوجوب القضاء .{[2947]}