{ أن اقذفيه في اليم فليلقه اليم بالساحل يأخذه عدو لي وعدو له} .
{ أنِ} تفسير لفعل{ أوْحَيْنَا} لأنه معنى القول دون حروفه أو تفسير ليوحى .
والقذف: أصله الرمي ،وأطلق هنا على الوضع في التابوت ،تمثيلاً لهيئة المُخفى عمله ،فهو يسرع وضعه من يده كهيئة من يقذف حجراً ونحوه .
والتابوت: الصندوق .وتقدّم عند قوله تعالى:{ إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت} في سورة البقرة ( 248 ) .
واليمّ: البحر ،والمراد به نهر النّيل .
والساحل: الشاطىء ،ولام الأمر في قوله فَلْيُلْقِهِ} دالة على أمر التكوين ،أي سخرنا اليَمّ لأن يلقيه بالساحل ،ولا يبتعد به إلى مكان بعيد ،والمراد ساحل معهود ،وهو الذي يقصده آل فرعون للسباحة .
والضمائر الثلاثة المنصوبة يجوز أن تكون عائدة إلى موسى لأنّه المقصود وهو حاضر في ذهن أمّه الموحى إليها ،وقَذفه في التّابوت وفي اليَمّ وإلقاؤه في الساحل كلها أفعال متعلّقة بضميره ،إذ لا فرق في فعل الإلقاء بين كونه مباشراً أو في ضمن غيره ،لأنه هو المقصود بالأفعال الثلاثة .ويجوز جعل الضميرين الأخيرين عائدين إلى التابوت ولا لبس في ذلك .
وجزم{ يَأْخُذْهُ} في جواب الأمر على طريقة جزم قوله{ يفقهوا قولي}[ طه: 28] المتقدم آنفاً .
والعدوّ: فرعون ،فهو عدوّ الله لأنه انتحل لنفسه الإلهية ،وعدوّ موسى تقديراً في المستقبل ،وهو عدوّه لو علم أنه من غلمان إسرائيل لأنّه اعتزم على قتل أبنائهم .
{ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّى}
عطف على جملة{ أوحينا} أي حين أوحينا إلى أمّك ما كان به سلامتك من الموت ،وحين ألقيت عليك محبّة لتحصل الرقّة لواجده في اليَمّ ،فيحرص على حياته ونمائه ويتخذه ولداً كما جاء في الآية الأخرى{ وقالت امرأة فرعون قرّةُ عينٍ لي ولك لا تقتلوه}[ القصص: 9]؛لأنّ فرعون قد غلب على ظنه أنّه من غلمان إسرائيل وليس من أبناء القبط ،أو لأنه يخطر بباله الأخذ بالاحتياط .
وإلقاء المحبة مجاز في تعلّق المحبة به ،أي خلق المحبّة في قلب المحبّ بدون سبب عاديّ حتى كأنه وضعٌ باليد لا مقتضي له في العادة .
ووصف المحبّة بأنها من الله للدّلالة على أنها محبّة خارقة للعادة لعدم ابتداء أسباب المحبّة العرفيّة من الإلف والانتفاع ،ألا ترى قول امرأة فرعون:{ عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً}[ القصص: 9] مع قولها:{ قرّة عين لي ولك}[ القصص: 9] ،فكان قرة عين لها قبل أن ينفعها وقبل اتخاذه ولداً .
{ ولتصنع على عيني}
جملة{ ولتصنع على عيني} عطف على جملة{ إذ أوحينا إلى أمك الخ .جُعل الأمران إتماماً لمنّة واحدة لأن إنجاءه من القتل لا يظهر أثره إلاّ إذا أنجاه من الموت بالذبول لترك الرضاعة ،ومن الإهمال المفضي إلى الهلاك أو الوهن إذا ولي تربيته من لا يشفق عليه الشفقة الجبليّة .والتقدير: وإذ تمشي أختك فتقول هل أدلكم على من يكفله لأجل أن تُصنع على عيني .
والصنع: مستعار للتربية والتنمية ،تشبيهاً لذلك بصنع شيء مصنوع ،ومنه يقال لمن أنعم عليه أحد نعمة عظيمة: هو صنيعة فلان .