فذلكة لما تقدم ،فالجملة تذييل .
والإشارة ب{ ذلك} إلى ما تقدم من أطوار خلق الإنسان وفنائه ،ومن إحياء الأرض بعد موتها وانبثاق النبت منها .
وإفراد حرف الخطاب المقترن باسم الإشارة لإرادة مخاطب غير معيّن على نسق قوله{ وترى الأرض هامدة}[ الحج: 5] على أن اتصال اسم الإشارة بكاف خطاب الواحد هو الأصل .
والمجرور خبر عن اسم الإشارة ،أي ذلك حصل بسبب أن الله هو الحق الخ ...والباء للسببية فالمعنى: تَكوّن ذلك الخلق من تراب وتطَور ،وتكوّن إنزال الماء على الأرض الهامدة والنبات البهيج بسبب أنّ الله هو الإله الحق دون غيره .ويجوز أن تكون الباء للملابسة ،أي كان ذلك الخلق وذلك الإنبات البهيج ملابساً لحقيّة إلهيّة الله .وهذه الملابسة ملابسة الدليل لمدلوله ،وهذا أرشق من حمل الباء على معنى السببية وهو أجمع لوجوه الاستدلال .
والحق: الثابت الذي لا مراء فيه ،أي هو الموجود .والقصر إضافي ،أي دون غيره من معبوداتكم فإنها لا وجود لها ،قال تعالى:{ إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان}[ الحج: 23] وهذا الاستدلال هو أصل بقية الأدلة لأنه نقضٌ للشرك الذي هو الأصل لجميع ضلالات أهله كما قال تعالى:{ إنما النسيء زيادة في الكفر}[ التوبة: 37] .
وأما بقية الأمور المذكورة بعد قوله{ ذلك بأن الله هو الحق} ،فهي لبيان إمكان البعث .
ووجه كون هذه الأمور الخمسة المعدودة في هذه الآية ملابسة لأحوال خلق الإنسان وأحوال إحياء الأرض أن تلك الأحوال دالة على هذه الأمور الخمسة: إما بدلالة المسبب على السبب بالنسبة إلى وجود الله وإلى ثبوت قدرته على كل شيء ،وإما بدلالة التمثيل على الممثَّل والواقععِ على إمكان نظيره الذي لم يقع بالنسبة إلى إحياء الله الموتى ،ومجيء الساعة ،والبعثثِ .وإذا تبين إمكان ذلك حق التصديق بوقوعه لأنهم لم يكن بينهم وبين التصديق به حائل إلا ظنهم استحالته ،فالذي قدر على خلق الإنسان عن عدم سابق قادر على إعادته بعد اضمحلاله الطارىء على وجوده الأحْرَى ،بطريقة .
والذي خلق الأحياء بعد أن لم تكن فيها حياةٌ يمكنه فعل الحياة فيها أو في بقيّة آثارها أو خلق أجسام مماثلة لها وإيداع أرواحها فيها بالأولى .وإذا كان كذلك علم أن ساعة فناء هذا العالم واقعة قياساً على انعدام المخلوقات بعد تكوينها ،وعُلم أن الله يعيدها قياساً على إيجاد النسل وانعدام أصله الحاصل للمشركين في وقوع الساعة منزّل منزلة العدم لانتفاء استناده إلى دليل .
وصيغة نفي الجنس على سبيل التنصيص صيغة تأكيد ،لأن ( لاَ ) النافية للجنس في مقام النفي بمنزلة ( إنّ ) في مقام الإثبات ولذلك حملت عليها في العمل .