هذا الكلام مقابل ما تضمنته الغمرة من قوله{ فذرهم في غمرتهم}[ المؤمنون: 54] من الإعراض عن عبادة الله وعن التصديق بآياته ،ومن إشراكهم آلهة مع الله ،ومن شحهم عن الضعفاء وإنفاق مالهم في اللذات ،ومن تكذيبهم بالبعث .كل ذلك مما شملته الغمرة فجيء في مقابلها بذكر أحوال المؤمنين ثناء عليهم ،ألا ترى إلى قوله بعد هذا{ بل قلوبهم في غمرة من هذا}[ المؤمنون: 63] .
فكانت هذه الجملة كالتفصيل لإجمال الغمرة مع إفادة المقابلة بأحوال المؤمنين .واختير أن يكون التفصيل بذكر المقابل لحسن تلك الصفات وقبح أضدادها تنزيها للذكر عن تعداد رذائلهم ،فحصل بهذا إيجاز بديع ،وطباق من ألطف البديع ،وصون للفصاحة من كراهة الوصف الشنيع .
وافتتاح الجملة ب{ إن} للاهتمام بالخبر ،والإتيان بالموصولات للإيماء إلى وجه بناء الخبر وهو أنهم يسارعون في الخيرات ويسابقون إليها وتكرير أسماء الموصولات للاهتمام بكل صلة من صلاتها فلا تذكر تبعاً بالعطف .والمقصود الفريق الذين اتصفوا بصلة من هذه الصلات .و ( من ) في قوله{ من خشية ربهم} للتعليل .
والإشفاق: توقع المكروه وتقدم عند قوله تعالى:{ وهم من خشيته مشفقون} في سورة الأنبياء ( 28 ) .وقد حذف المتوقع منه لظهور أنه هو الذي كان الإشفاق بسبب خشيته ،أي يتوقعون غضبه وعقابه .
والمراد بالآيات الدلائل التي تضمنها القرآن ومنها إعجاز القرآن .والمعنى: أنهم لخشية ربهم يخافون عقابه ،فحذف متعلق{ مشفقون} لدلالة السياق عليه .
وتقديم المجرورات الثلاثة على عواملها للرعاية على الفواصل مع الاهتمام بمضمونها .