يجوز أن تكون جملة{ وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين} عطفاً على جملة{ قل رب إما تريني ما يوعدون}[ المؤمنون: 93] بأن أمره الله بأن يلجأ إليه بطلب الوقاية من المشركين وأذاهم ،فيكون المراد من الشياطين المشركين فإنهم شياطين الإنس كما قال تعالى:{ وكذلك جعلنا لكل نبيء عدواً شياطين الإنس والجن}[ الأنعام: 112] ويكون هذا في معنى قوله:{ قل أعوذ برب الناس} إلى قوله{ الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس}[ الناس: 1 6] فيكون المراد: أعوذ بك من همزات القوم الظالمين أو من همزات الشياطين منهم .
والهمز حقيقته: الضغط باليد والطعن بالإصبع ونحوه ،ويستعمل مجازاً بمعنى الأذى بالقول أو بالإشارة ،ومنه قوله تعالى:{ هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بنميم}[ القلم: 11] وقوله:{ ويل لكل هُمزة لمزة}[ الهمزة: 1] .
ومحمله هنا عندي على المعنى المجازي على كلا الوجهين في المراد من الشياطين .وهمز شياطين الجن ظاهر ،وأما همز شياطين الإنس فقد كان من أذى المشركين النبي صلى الله عليه وسلم لمزه والتغامز عليه والكيد له .
ومعنى التعوذ من همزهم: التعوذ من آثار ذلك .فإن من ذلك أن يغمزوا بعض سفهائهم إغراء لهم بأذاه ،كما وقع في قصة إغرائهم من أتى بسلا جزور فألقاه على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في صلاته حول الكعبة .وهذا الوجه في تفسير الشياطين هو الأليق بالغاية في قوله{ حتى إذا جاء أحدهم الموت}[ المؤمنون: 99] كما سيأتي .
وأما قوله:{ وأعوذ بك رب أن يحضرون} فهو تعوذ من قربهم لأنهم إذا اقتربوا منه لحقه أذاهم .