عطف جملة:{ ويقولون} على جملة:{ والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم}[ النور: 46] لما تتضمنه جملة:{ يهدي من يشاء} من هداية بعض الناس وحرمان بعضهم من الهداية كما هو مقتضى:{ من يشاء} .وهذا تخلص إلى ذكر بعض ممن لم يشأ الله هدايتهم وهم الذين أبطنوا الكفر وأظهروا الإسلام وهم أهل النفاق .فبعد أن ذُكرت دلائل انفراد الله تعالى بالإلهية وذكر الكفارُ الصرحاء الذين لم يهتدوا بها في قوله:{ والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة}[ النور: 39] الآيات تهيأ المقام لذكر صنف آخر من الكافرين الذين لم يهتدوا بآيات الله وأظهروا أنهم اهتدوا بها .
وضمير الجمع عائد إلى معروفين عند السامعين وهم المنافقون لأن ما ذكر بعده هو من أحوالهم ،وعود الضمير إلى شيء غير مذكور كثير في القرآن ،على أنهم قد تقدم ما يشير إليهم بطريق التعريض في قوله:{ رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة}[ النور: 37] .
وقد أشارت الآية إلى المنافقين عامة ،ثم إلى فريق منهم أظهروا عدم الرضى بحكم الرسول صلى الله عليه وسلم فكلا الفريقين موسوم بالنفاق ،ولكن أحدهما استمر على النفاق والمواربة وفريقاً لم يلبثوا أن أظهروا الرجوع إلى الكفر بمعصية الرسول علناً .
ففي قوله:{ يقولون} إيماء إلى أن حظهم من الإيمان مجرد القول دون الاعتقاد كما قال تعالى:{ قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولمّا يدخلِ الإيمان في قلوبكم}[ الحجرات: 14] .
وعبر بالمضارع لإفادة تجدد ذلك منهم واستمرارهم عليه لما فيه من تكرر الكذب ونحوه من خصال النفاق التي بينتُها في سورة البقرة .ومفعول{ أطعنا} محذوف دل عليه ما قبله ،أي أطعنا الله والرسول .
والإشارة في قوله:{ وما أولئك} إلى ضمير{ يقولون} ،أي يقولون آمنّا وهم كاذبون في قولهم .وإنما يظهر كفرهم عندما تحل بهم النوازل والخصومات فلا يطمئنون بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يصح جعله إشارة إلى{ فريق} من قوله:{ إذا فريق منهم معرضون} لأن إعراضهم كاف في الدلالة على عدم الإيمان .