عطفت جملة{ ونريد} على جملة{ إن فرعون علا في الأرض}[ القصص: 4] لمناسبة ما في تلك الجملة من نبأ تذبيح الأبناء واستحياء النساء ،فذلك من علو فرعون في الأرض وهو بيان لنبإ موسى وفرعون فإن إرادة الله الخير بالذين استضعفهم فرعون من تمام نبإ موسى وفرعون ،وهو موقع عبرة عظيمة من عِبَر هذه القصة .
وجيء بصيغة المضارع في حكاية إرادة مضت لاستحضار ذلك الوقت كأنه في الحال لأن المعنى أن فرعون يطغى عليهم والله يريد في ذلك الوقت إبطال عمله وجعلهم أمة عظيمة ،ولذلك جاز أن تكون جملة{ ونريد} في موضع الحال من ضمير{ يستضعف}[ القصص: 4] باعتبار أن تلك الإرادة مقارنة لوقت استضعاف فرعون إياهم .فالمعنى على الاحتمالين: ونحن حينئذ مُريدون أن ننعم في زمن مستقبل على الذين استضعفوا .
والمنّ: الإنعام ،وجاء مضارعه مضموم العين على خلاف القياس .
و{ الذين استضعفوا في الأرض} هم الطائفة التي استضعفها فرعون .و{ الأرض} هي الأرض في قوله{ إن فرعون علا في الأرض}[ القصص: 4] .
ونكتة إظهار{ الذين استضعفوا} دون إيراد ضمير الطائفة للتنبيه على ما في الصلة من التعليل فإن الله رحيم لعباده ،وينصر المستضعفين المظلومين الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً .
وخص بالذكر من المن أربعة أشياء عطفت على فعل{ نمنّ} عطف الخاص على العام وهي: جعلهم أيمة ،وجعلهم الوارثين ،والتمكين لهم في الأرض ،وأن يكون زوال ملك فرعون على أيديهم في نعم أخرى جمة ،ذكر كثير منها في سورة البقرة .
فأما جعلهم أيمة فذلك بأن أخرجهم من ذلّ العبودية وجعلهم أمة حرة مالكة أمر نفسها لها شريعة عادلة وقانون معاملاتها وقوة تدفع بها أعداءها ومملكة خالصة لها وحضارة كاملة تفوق حضارة جيرتها بحيث تصير قدوة للأمم في شؤون الكمال وطلب الهناء ،فهذا معنى جعلهم أيمة ،أي يقتدي بهم غيرهم ويدعون الناس إلى الخير وناهيك بما بلغه ملك إسرائيل في عهد سليمان عليه السلام .
وأما جعلهم الوارثين فهو أن يعطيهم الله ديار قوم آخرين ويحكّمهم فيهم ،فالإرث مستعمل مجازاً في خلافة أمم أخرى .
فالتعريف في{ الوارثين} تعريف الجنس المفيد أنهم أهل الإرث الخاص وهو إرث السلطة في الأرض بعد من كان قبلهم من أهل السلطان ،فإن الله أورثهم أرض الكنعانيين والحثيين والأموريين والأراميين ،وأحلهم محلهم على ما كانوا عليه من العظمة حتى كانوا يعرفون بالجبابرة قال تعالى{ قالوا يا موسى إن فيها قوماً جبارين}[ المائدة: 22] .