ثمّ تأتي الآية الأُخرى لتقول: إنّ إرادتنا ومشيئتنا اقتضت احتواء المستضعفين بلطفنا وكرمنا ( ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ) وأن تشملهم رعايتنا ومواهبنا تكون بيد الحكومة ومقاليد الأمور: ( ونجعلهم أئمّة ونجعلهم الوارثين ) .
ويكونون اُولي قوّة وقدرة في الأرض ( ونمكّن لهم في الأرض ونُري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون )
ما أبلغ هاتان الآيتان ،وما أعظم ما فيهما من رجاء وأمل !..إذ جاءتا بصورة الفعل المضارع والاستمرار ،لئلا يتصور أنّهما مختصتان بالمستضعفين منبني إسرائيل وحكومة الفراعنة ،إذ تبدآن بالقول: ( ونريد أن نمن ...) .
أي إنّ فرعون أراد أن يجعل بني إسرائيل شذر مذر ويكسر شوكتهم ويبير قواهم وقدرتهم ،ولكننا أردناونريدأن ينتصروا ويكونوا أقوياء !
فرعون يريد أن تكون الحكومة بيد المستكبرين إلى الأبد .ولكنّا أردنا أن تكون بيد المستضعفين ،فكان كما أردنا .
والتعبير ب «نمنّ » كما أشرنا إلى ذلك من قبل ،معناه منح الهبات والنعم ،وهو يختلف تمام الاختلاف مع «المنّ » المراد به عدّ النعم لتحقير الطرف المقابل ،وهو مذموم قطعاً .
ويكشف الله في هاتين الآيتين الستار عن إرادته ومشيئته بشأن المستضعفين ،ويذكر في هذا المجال خمسة أُمور بعضها مرتبط ببعض ومتقاربة أيضاً:
الأوّل: قوله تعإلى: ( ونريد أن نمن ...) لنشملهم بالمواهب والنعم ..الخ .
الثّاني: قوله: ( ونجعلهم أئمّة ) .
الثّالث: قوله: ( ونجعلهم الوارثين ) أي المستخلفين بعد الفراعنة والجبابرة .
الرّابع: قوله: ( ونمكن لهم في الأرض ) أي نجعلهم يحكمون في الأرض وتكون السلطة والقدرة وغيرهما لهم وتحت تصرفهم ..
والخامس: إن ما كان يحذره الأعداء منهم وما عبأوه لمواجهتهم يذهب أدراج الرياح ،وتكون العاقبة لهم ( ونُري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون ) .
هكذا لطف الله وعنايته في شأن المستضعفين ،أمّا من هم أُولئك المستضعفون ؟!وما هي أوصافهم ؟!فسنتحدث عن كل ذلك بعد قليل بأذن الله
وكان «هامان » وزير فرعون المعروف يتمتع بنفوذ وسلطة إلى درجة أن الآية المتقدمة إذ تتحدث عن جنود مصر فإنّها تعزوهم إلى فرعون وهامان معاً ( وسيأتي مزيد إيضاح وشرح عن حال هامان بإذن الله في ذيل الآية ( 38 ) من هذه السورة ذاتها ) .
/خ6