قوله:{ ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار} الإشارة إلى تولّيهم وإعراضهم ،والباء للسببية: أي إنّهم فعلوا ما فعلوا بسبب زعمهم أنّهم في أمان من العذاب إلاّ أياماً قليلة ،فانعدَم اكتراثهم باتّباع الحق ؛لأنّ اعتقادهم النجاة من عذاب الله على كل حالٍ جَرّأهم على ارتكاب مثل هذا الإعراض .وهذا الاعتقاد مع بطلانه مؤذن أيضاً بسفالة همّتهم الدينية ،فكانوا لا ينافسون في تزكية الأنفس .وعبر عن الاعتقاد بالقول دلالة على أنّ هذا الاعتقاد لا دليل عليه وأنّه قول مفتري مدلّس ،وهذه العقيدة عقيدة اليهود ،كما تقدم في البقرة .
وقوله:{ وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون} أي ما تقوّلوه على الدِّين وأدخلوه فيه ،فلذلك أتي بفي الدالة على الظرفية المجازية .ومن جملة ما كانوا يفترونه قولهم:{ لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة}[ البقرة: 80] ،وكانوا أيضاً يزعمون أنّ الله وعد يعقوب ألاّ يعذّب أبناءه .
وقد أخبر الله تعالى عن مفاسد هذا الغرور والافتراء بإيقاعها في الضلال الدائم ،لأنّ المخالفة إذا لم تكن عن غرور فالإقلاع عنها مرجوٌ ،أما المغرور فلا يترقّب منه إقلاع .وقد ابتلي المسلمون بغرور كثير في تفاريع دينهم وافتراءات من الموضوعات عادت على مقاصد الدين وقواعد الشريعة بالإبطال ،وتفصيل ذلك في غير هذا المجال .