ودل قوله{ تتلى عليه} أنه يواجه بتبليغ القرآن وإسماعه .وقوله{ ولى} تمثيل للإعراض عن آيات الله كقوله تعالى{ ثم أدبر يسعى}[ النازعات: 22] و{ مُسْتَكْبِراً} حال ،أي هو إعراض استكبار لا إعراض تفريط في الخير فحسب .
وشُبه في ذلك بالذي لا يسمع الآيات التي تتلى عليه ،ووجه الشبه هو عدم التأثر ولو تأثراً يعقبه إعراضٌ كتأثر الوليد بن المغيرة .
و{ كأنْ} مخففة من ( كأنَّ ) وهي في موضع الحال من ضمير{ مستكبراً .} وكرر التشبيه لتقويته مع اختلاف الكيفية في أن عدم السمع مرة مع تمكن آلة السمع ومرة مع انعدام قوة آلته فشبه ثانياً بمن في أذنيه وقر وهو أخص من معنى{ كأن لم يسمعها} ومثل هذا التشبيه الثاني قول لبيد:
فتنازعا سَبِطاً يَطير ظلاله *** كدخان مُشْعَلَةٍ يشِبّ ضِرامها
مشموله غُلِثتْ بنابت عَرْفَج *** كدُخان نارٍ سَاطِع أسنامُهـا
والوقر: أصله الثقل ،وشاع في الصمم مجازاً مشهوراً ساوى الحقيقة ،وقد تقدم في قوله{ وفي آذانهم وقراً} في سورة الأنعام ( 25 ) .وقرأ نافع في{ أذْنيه} بسكون الذال للتخفيف لأجل ثقل المثنى ،وقرأه الباقون بضم الذال على الأصل .وقد ترتب على هذه الأعمال التي وصف بها أن أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يُوعِده بعذاب أليم .وإطلاق البشارة هنا استعارة تهكمية ،كقول عمرو بن كلثوم:
فعجَّلْنا القِرى أنْ تشتمونا
وقد عذب النضر بالسيف إذ قتل صبراً يوم بدر ،فذلك عذاب الدنيا ،وعذاب الآخرة أشد .