وأصل تركيب{ أحْببتُ حبَّ الخيرِ}: أحببتُ الخير حُبًّا ،فحول التركيب إلى{ أحببتُ حب الخيرِ} فصار{ حُبَّ الخيرِ} تمييزاً لإِسناد نسبة المحبة إلى نفسه لغرض الإِجمال ثم التفصيل كقوله تعالى:{ وفجرنا الأرض عيوناً}[ القمر: 12] وقول كعب بن زهير:
أكرم بها خلة
وقولهم: لله دره فَارساً .
وضمن{ أحْبَبْتُ} معنى عَوَّضت ،فعدِّي ب{ عن} في قوله:{ عن ذِكرِ ربي} فصار المعنى: أحببت الخير حبّاً فجاوزت ذكر ربي .والمراد بذكر الرّب الصلاة ،فلعلها صلاة كان رتبها لنفسه لأن وقت العشي ليست فيه صلاة مفروضة في شريعة موسى إلا المغرب .
و{ الخير}: المال النفيس كما في قوله تعالى:{ إن ترك خيراً}[ البقرة: 180] .والخيل من المال النفيس .وقال الفراء: الخير بالراء من أسماء الخيل .والعرب تعاقب بين اللام والراء كما يقولون: انهملت العين وانهمرت .وختل وختر إذا خدع .
وقلت: إن العرب من عادتهم التفاؤل ولهم بالخيل عناية عظيمة حتى وصفوا شياتها وزعموا دلالتها على بخت أو نحس فلعلهم سموها الخير تفاؤلاً لتتمحض للسعد والبخت .وضمير{ تَوارَتْ} للشمس بقرينة ذكر العشي وحرف الغاية ولفظ الحجاب ،على أن الإِضمار للشمس في ذكر الأوقات كثير في كلامهم .كما قال لبيد:
حتى إذا ألقتْ يداً في كافر *** وأجنّ عَورات الثغور ظلامها
أي ألقت الشمس يدها في الظلمة ،أي ألقت نفسها فهو من التعبير عن الذات ببعض أعضائها .
والتواري: الاختفاء ،والحجاب: الستر في البيت الذي تحتجب وراءه المرأة وغيرها ومنه قول أنس بن مالك: فأنزل الله آية الحجاب .
والكلام تمثيل لحالة غروب الشمس بتواري المرأة وراء الحجاب وكل من أجزاء هذه التمثيلية مستعار ؛فللشمس استعيرت المرأة على طريقة المكنية ،ولاختفائها عن الأنظار استعير التواري ،ولأُفق غروب الشمس استعير الحجاب .
والمعنى: عرضت عليه خيله الصافنات الجياد فاشتغل بأحوالها حباً فيها حتى غربت الشمس ففاتته صلاة كان يصليها في المساء قبل الغروب ،فقال عقب عرض الخيل وقد انصرفت: إني أحببتُ الخيل فغفلت عن صلاتي لله .
وكلامه هذا خبر مستعمل في التحسر كقول أم مريم{ رب إني وضعتها أنثى}[ آل عمران: 36] .