{فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِي} قيل: إن كلمة أحببت تتضمن معنى فعل يتعدى بعن كأنه قيل: أحببت حب الخير عن ذكر ربي ،أو جعلت حب الخير مجزياً أو مغنياً عن ذكر ربي ،وتطلق كلمة الخير على الخيل ،وبذلك يكون المعنى ،أنه قدّم حبّ الخيل على ذكر الله حتى شغل عن صلاته ،{حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} أي حتى غابت الشمس ،وفاتته صلاة العصر بسبب ذلك ،وهذا هو المشهور بين المفسرين ،من أن استعراض الخيل أمامه امتدّ بحيث شغله عن الإقبال على صلاته .
وقد أثار بعض المفسرين احتمال أن يكون انشغاله بحب الخير عن ذكر ربه منطلقاً من أمر الله ،ليكون استعراضه وحبه لها عملاً عبادياً ليتهيأ بها للجهاد في سبيل الله ،وبذلك يكون الشاغل له عن عبادة الله عملاً يختزنهاأي العبادة لله تعالىفي داخله .
ولعل الأساس في هذا التوجيه التفسيري ،هو الخروج بعمل سليمان عن كونه مخالفاً لموقعه الرسالي ،في انشغاله باستعراض الخيل عن عبادة الله الواجبة في وقتٍ معين .
ولكن ما تقدم ليس بحجةٍ قويةٍ ،لا سيما إذا كانت الصلاة موقتةً بوقت معيّن في ذلك العصر ،بحيث يذهب وقتها بغروب الشمس وتواريها بالحجاب ،كما يظهر من بعض الروايات ،لذا فإن الانشغال عنها المؤدّي إلى تركها ،بعملٍ آخر مرضٍ لله ،موسعٍ في وقته ،غير مبّررٍ شرعاً .
ولهذا فقد يكون من الأقرب إبقاء الآية على ظاهرها الذي يوحي بأن سليمان كان في مقام توبيخ نفسه أو الاعتذار إلى الله عما حدث ،وهو ما لا يتناسب بالتأكيد مع التوجيه المذكور الذي قد لا يكون له معنى ،إلا أن يقال: إن ذلك بلحاظ أهميّة الصلاة ،وبذلك يكون قد قدّم المهمّ على الأهم في الوقت الذي يتسع للعملين معاً ،مع كون تقديم الصلاة أفضل ،بلحاظ الوقت .
كيف نفهم حدود العصمة ؟
وقد نلاحظ في هذا المجال ،أن مسألة حدود العصمة ،في ما يراد من خلاله تأكيد القيمة الأخلاقية المنفتحة على الله في القيام بما يحقق رضاه في أفق محبته ،لا يكفي فيها التركيز على ترك المعصية ،بل لا بدّ من الانفتاح على العمق الروحي الذي يتناسب مع قيمة النبوّة في جانب القدوة الرسالية منها .
وقد ينبغي دراسة الأسس التي يحاول الكلاميون من خلالها تبنّي مسألة عصمة الأنبياء بالشكل المطلق ،لنتعرف كيف يمكن لنا أن نواجه الظواهر القرآنية التي تمنح الجانب الإنساني قيمةً واقعيةً في تقييم شخصية النبي ،بالمستوى الذي لا يبتعد عن الإخلاص والصدق الواعي في خط الرسالة ،مع إفساح المجال لبعض نقاط الضعف الإنساني أن تنفذ إلى حياته ،بشكلٍ جزئيٍّ طبيعيّ .