والبشير: اسم للمبشر وهو المخبر بخبر يسر المخبَر .والنذير: المخبر بأمر مَخُوف ،شبه القرآن بالبشير فيما اشتمل عليه من الآيات المبشرة للمؤمنين الصالحين ،وبالنذير فيما فيه من الوعيد للكافرين وأهل المعاصي ،فالكلام تشبيه بليغ .وليس:{ بشيراً} أو{ نذيراً} اسمي فاعل لأنه لو أريد ذلك لقيل: مُبشراً ومُنذراً .
والجمع بين:{ بشيراً} و{ نَذِيراً} من قبيل محسن الطِّبَاق .وانتصب{ بشيراً} على أنه حال ثانية من{ كتاب} أو صفة ل{ قرآناً ،} وصفة الحال في معنى الحال ،فالأوْلى كونه حالاً ثانية .
وجيء بقوله:{ نذيراً} معطوفاً بالواو للتنبيه على اختلاف موقع كل من الحالين فهو بشير لقوم وهم الذين اتبعوه ونذير لآخرين ،وهم المعرضون عنه ،وليس هو جامعاً بين البشارة والنذارة لطائفة واحدة فالواو هنا كالواو في قوله:{ ثيبات وأبكارا}[ التحريم: 5] بعد قوله:{ مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات}[ التحريم: 5] .
وتفريع{ فأعْرَضَ أكْثَرُهُم} على ما ذكر من صفات القرآن .وضمير{ أكثرهم} عائد إلى معلوم من المقام وهم المشركون كما هي عادة القرآن في غير موضع .والمعنى: فأعرض أكثر هؤلاء عما في القرآن من الهدى فلم يهتدوا ،ومن البشارة فلم يُعنوا بها ،ومن النذارة فلم يحذروها ،فكانوا في أشد الحماقة ،إذ لم يعنوا بخَير ،ولا حَذِرُوا الشر ،فلم يأخذوا بالحيطة لأنفسهم وليس عائداً ل{ قوم يعلمون} لأن الذين يعلمون لا يُعرض أحد منهم .
والفاء في قوله:{ فَهُمْ لا يَسْمَعُون} للتفريع على الإِعراض ،أي فهم لا يُلقون أسماعهم للقرآن فضلاً عن تدبره ،وهذا إجمال لإِعراضهم .وتقديم المسند إليه على المسند الفعلي في{ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ} دون أن يقول: فلا يسمعون لإِفادة تقوّي الحكم وتأكيده .