وجملة{ قالوا يا قومنا} إلى آخرها مبينة لقوله:{ منذرين} .وحكاية تخاطب الجن بهذا الكلام الذي هو من كلام عربي حكاية بالمعنى إذ لا يعرف أن للجن معرفة بكلام الإنس ،وكذلك فعل{ قالوا} مجاز عن الإفادة ،أي أفادوا جنسهم بما فهموا منه بطرق الاستفادة عندهم معانيَ ما حكي بالقول في هذه الآية كما في قوله تعالى:{ قالت نملة يأيها النمل ادخلوا مساكنكم}[ النمل: 18] .وابتدأوا إفادتهم بأنهم سمعوا كتاباً تمهيداً للغرض من الموعظة بذكر الكتاب ووصفه ليستشرفَ المخاطبون لما بعد ذلك .
ووصْف الكتاب بأنه{ أنزل من بعد موسى} دون: أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم لأن « التوراة » آخر كتاب من كتب الشرائع نزل قبل القرآن ،وأما ما جاء بعده فكتب مكملة للتوراة ومبينة لها مثل « زبور داود » و« إنجيل عيسى » ،فكأنه لم ينزل شيء جديد بعد « التوراة » فلما نَزل القرآن جاء بهدي مستقل غير مقصود منه بيان التوراة ولكنه مصدق للتوراة وهادٍ إلى أزيد مما هدت إليه « التوراة » .
و{ ما بين يديه}: ما سبقه من الأديان الحق .ومعنى{ يهدي إلى الحق}: يهدي إلى الاعتقاد الحق ضد الباطل من التوحيد وما يجب لله تعالى من الصفات وما يستحيل وصفه به .
والمراد بالطريق المستقيم: ما يسلك من الأعمال والمعاملة .وما يترتب على ذلك من الجزاء ،شبه ذلك بالطريق المستقيم الذي لا يضل سالكه عن القصد من سيره .ويجوز أن يراد ب{ الحق} ما يشمل الاعتقاد والأعمال الصالحة ويراد بالطريق المستقيم الدلائل الدالة على الحق وتزييف الباطل فإنها كالصراط المستقيم في إبلاغ متبعها إلى معرفة الحق .