ثم إنه تعالى فسر إنذار الجن لقومهم فقال مخبرا عنهم:( قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى [ مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق] ) ، ولم يذكروا عيسى ; لأن عيسى ، عليه السلام ، أنزل عليه الإنجيل فيه مواعظ وترقيقات وقليل من التحليل والتحريم ، وهو في الحقيقة كالمتمم لشريعة التوراة ، فالعمدة هو التوراة ; فلهذا قالوا:أنزل من بعد موسى . وهكذا قال ورقة بن نوفل ، حين أخبره النبي - صلى الله عليه وسلم - بقصة نزول جبريل [ عليه السلام] عليه أول مرة ، فقال:بخ بخ ، هذا الناموس الذي كان يأتي موسى ، يا ليتني أكون فيها جذعا .
( مصدقا لما بين يديه ) أي:من الكتب المنزلة قبله على الأنبياء . وقولهم:( يهدي إلى الحق ) أي:في الاعتقاد والإخبار ، ( وإلى طريق مستقيم ) في الأعمال ، فإن القرآن يشتمل على شيئين خبر وطلب ، فخبره صدق ، وطلبه عدل ، كما قال:( وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا ) [ الأنعام:115] ، وقال ( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ) [ التوبة:33] ، فالهدى هو:العلم النافع ، ودين الحق:هو العمل الصالح . وهكذا قالت الجن:( يهدي إلى الحق ) في الاعتقادات ، ( وإلى طريق مستقيم ) أي:في العمليات .