بعد أن أكد الكلام بالقسم ب{ الذاريات}[ الذاريات: 1] وما عطف عليها فرع على ذلك زيادة تأكيد بالقسم بخالق السماء والأرض على أن ما يوعدون حق فهو عطف على الكلام السابق ومناسبته قوله:{ وما توعدون}[ الذاريات: 22] .
وإظهار اسم السماء والأرض دون ذكر ضميرهما لإدخال المهابة في نفوس السامعين بعظمة الربّ سبحانه .
وضمير{ إنه لحقّ} عائد إلى{ ما توعدون}[ الذاريات: 22] .وهذا من ردّ العجز على المصدر لأنه رد على قوله أول السورة{ إن ما توعدون لصادق}[ الذاريات: 5] وانتهى الغرض .
وقوله:{ مثل ما أنكم تنطقون} زيادة تقرير لوقوع ما أوعدوه بأن شبه بشيء معلوم كالضرورة لا امتراء في وقوعه وهو كون المخاطبين ينطقون .وهذا نظير قولهم: كما أن قبلَ اليوم أمس ،أو كما أن بعد اليوم غداً .وهو من التمثيل بالأمور المحسوسة ،ومنه تمثيل سرعة الوصول لقرب المكان في قول زهير:
فهن ووادِي الرسّ كاليد للفم
وقولهم: مثل ما أنك ها هنا ،وقولهم: كما أنك ترى وتسمع .
وقرأ الجمهور{ مثلَ} بالنصب على أنه صفة حال محذوف قصد منه التأكيد .والتقدير: إنه لحق حقاً مثل ما أنكم تنطقون .وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم وخلف مرفوعاً على الصفة{ لحق} صفة أريد بها التشبيه .
و{ ما} الواقعة بعد{ مثل} زائدة للتوكيد .وأردفت ب ( أنَّ ) المفيدة للتأكيد تقوية لتحقيق حقية ما يوعدون .
واجتلب المضارع في{ تنطقون} دون أن يقال: نطقكم ،يفيد التشبيه بنطقهم المتجدد وهو أقوى في الوقوع لأنه محسوس .