و{ يؤفك}: يصرف .والأفك بفتح الهمزة وسكون الفاء: الصرف .وأكثر ما يستعمل في الصرف عن أمر حسن ،قاله مجاهد كما في « اللسان » ،وهو ظاهر كلام أيمة اللغة والفراء وشمّر وذلك مدلوله في مواقعه من القرآن .
وجملة{ يؤفك عنه من أفك} يجوز أن تكون في محل صفة ثانية ل{ قولٍ مختلف} ،ويجوز أن تكون مستأنفة استئنافاً بيانياً ناشئاً عن قوله:{ وإن الدين لواقع}[ الذاريات: 6] ،فتكون جملة{ والسماء ذاتِ الحبك إنكم لفي قول مختلف} معترضة بين الجملة البيانية والجملة المبيَّن عنها .ثم إن لفظ{ قول} يقتضي شيئاً مقولاً في شأنه فإذ لم يذكر بعد{ قول} ما يدل على مقول صلَح لجميع أقوالهم التي اختلقوها في شأنه للقرآن ودعوة الإسلام كما تقدم .
فلما جاء ضميرُ غيبة بعد لفظ{ قول} احتمل أن يعود الضمير إلى{ قولٍ} لأنه مذكور ،وأن يعود إلى أحوال المقول في شأنه فقيل ضمير{ عنه} عائد إلى{ قول مختلف} وأن معنى{ يؤفك عنه} يصرف بسببه ،أي يصرف المصروفون عن الإيمان فتكون ( عن ) للتعليل كقوله تعالى:{ وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك}[ هود: 53] وقوله تعالى:{ وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلاّ عن موعدة وعدها إياه}[ التوبة: 114] ،وقيل ضمير{ عنه} عائد إلى{ ما توعدون}[ الذاريات: 22] أو عائد إلى{ الدين}[ الذاريات: 6] ،أي الجزاء أن يؤفك عن الإيمان بالبعث والجزاء من أفك .وعن الحسن وقتادة: أنه عائد إلى القرآن أو إلى الدين ،أي لأنهما مما جرى القول في شأنهما ،وحرف ( عن ) للمجاوزة .
وعلى كل فالمراد بقوله{ من أفك} المشركون المصروفون عن التصديق .والمراد بالذي فعل الأفك المجهول المشركون الصارفون لقومهم عن الإيمان ،وهما الفريقان اللذان تضمنهما قوله تعالى:{ وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والْغَوْا فيه لعلكم تغلِبُون}[ فصلت: 26] .
وإنما حذف فاعل{ يؤفك} وأبهم مفعوله بالموصولية للاستيعاب مع الإيجاز .
وقد حمَّلهم الله بهاتين الجملتين تبعةَ أنفسهم وتبعة المغرورين بأقوالهم كما قال تعالى:{ وليحملن أثقالهم وأثقالاً مع أثقالهم}[ العنكبوت: 13] .