َفرع على الإنكار والتوبيخ الوعيدَ بقوله:{ فسوف تعلمون} ،وحذف مفعول{ تعلمون} لقصد الإجمال في الوعيد لإدخال الرعب ،ثم بيّنه بجملة{ لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف} .ووقوع الجمع معرفاً بالإضافة يكسبه العموم فيعم كل يدَ وكل رجْل من أيدي وأرجل السحرة .
و{ منْ} في قوله:{ من خلاف} ابتدائية لبيان موضع القطع بالنسبة إلى العضو الثاني ،وقد تقدم بيان نظيرها عند قوله تعالى:{ أو تُقطّعُ أيْدِيهمْ وَأرْجُلُهمْ من خلاف} في سورة المائدة ( 33 ) .فالمعنى: أنه يقطع من كل ساحر يداً ورجلاً متخالفتي الجهة غير متقابلتيها ،أي: إنْ قطعَ يدَه اليمنى قطعَ رجله اليسرى والعكس ،وإنما لم يقطع القوائم الأربع لأن المقصود بقاء الشخص متمكناً من المشي متوكئاً على عود تحت اليد من جهة الرجل المقطوعة .
ودلت{ ثُم} على الارتقاء في الوعيد بالثلب ،والمعروف أن الصلب أن يقتل المرء مشدوداً على خشبة ،وتقدم في قوله:{ وما قتلوه وما صلبوه} في سورة النساء ( 157 ) ،وعلى هذا يكون توعّدهم بنوعين من العذاب .والوعيد موجّه إلى جماعتهم فعلم أنه جعلهم فريقين: فريق يعذب بالقطع من خلاف ،وفريق يعذب بالصلب والقتل ،فعلى هذا ليس المعنى على أنه يصلبهم بعد أن يقطعهم ،إذ لا فائدة في تقييد القطع بكونه من خلاف حينئذٍ ويحتمل أن يراد بالصلب: الصلب دون قتل ،فيكون أراد صلبهم بعد القطع ليجعلهم نكالاً ينذعر بهم الناس ،كيلا يُقدم أحد على عصيان أمره من بعد ،فتكون ( ثم ) دالة على الترتيب والمهلة ،ولعل المهلة قصد منها مدة كيّ واندمال موضع القطع ،وهذا هو المناسب لظاهر قوله:{ أجمعين} المفيد أن الصلب ينالهم كلهم .