مناسبة عطف{ ولا تمنن تستكثر} على الأمر بهجر الرجز أن المنّ في العطية كثير من خُلق أهل الشرك فلما أمره الله بهجر الرجز نهاه عن أخلاق أهل الرجز نهياً يقتضي الأمر بالصدقة والإِكثار منها بطريق الكناية فكأنه قال: وتصدق وأُكثر من الصدقة ولا تمنن ،أي لا تعدّ ما أعطيته كثيراً فتمسك عن الازدياد فيه ،أو تتطرق إليك ندامة على ما أعطيت .
والسين والتاء في قوله:{ تستكثر} للعدّ ،أي بعد ما أعطيته كثيراً .
وهذا من بديع التأكيد لحصول المأمور به جعلت الصدقة كالحاصلة ،أي لأنها من خلقه صلى الله عليه وسلم إذ كان أجود الناس وقد عرف بذلك من قبل رسالته لأن الله هيأه لمكارم الأخلاق فقد قالت له خديجة في حديث بدء الوحي « إنك تحمل الكل وتكسب المعدوم » .ففي هذه الآية إيماء إلى التصدق ،كما كان فيها إيماء إلى الصلاة ،ومن عادة القرآن الجمع بين الصلاة والزكاة .
والمنّ: تذكير المنعِم المنعَمَ عليه بإنعامه .
والاستكثار: عدّ الشيء كثيراً ،أي لا تستعظم ما تعطيه .
وهذا النهي يفيد تعميم كل استكثار كيفما كان ما يعطيه من الكثرة .وللأسبقين من المفسرين تفسيرات لمعنى{ ولا تمنن تستكثر} ليس شيء منها بمناسب ،وقد أنهاها القرطبي إلى أحد عشر .
و{ تستكثر} جملة في موضع الحال من ضمير{ تمنن} وهي حال مقدرة .