ويقول تعالى في الأمر الرّابع: ( ولا تمنن تستكثر ) .
هنا التعلق بمحذوف أيضاً ،ويدل على سعة المفهوم كليته ،ويشمل المنّة على اللّه والخلائق ،أي فلا تمنن على اللّه بسعيك واجتهادك ،لأنّ اللّه تعالى هو الذي منّ عليك بهذا المقام المنيع .
ولا تستكثر عبادتك وطاعتك وأعمالك الصالحة ،بل عليك أن تعتبر نفسك مقصراً وقاصراً ،واستعظم ما وفقت إليه من العبادة .
وبعبارة أُخرى: لا تمنن على اللّه بقيامك بالإنذار ودعوتك إلى التوحيد وتعظيمك للّه وتطهيرك ثيابك وهجرك الرجز ،ولا تستعظم كل ذلك ،بل اعلم أنّه لو قدمت خدمة للناس سواء في الجوانب المعنوية كالإرشاد والهداية ،أم في الجوانب المادية كالإنفاق والعطاء فلا ينبغي أن تقدمها مقابل منّة ،أو توقع عوض أكبر ممّا اُعطيت ،لأنّ المنّة تحبط الأعمال الصالحة: ( يا أيّها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى ){[5550]} .
«لا تمنن » من مادة «المنّة » وتعني في هذه الموارد الحديث عن تبيان أهمية النعم المعطاة للغير ،وهنا يتّضح لنا العلاقة بينه وبين الإستكثار ،لأنّ من يستصغر عمله لا ينتظر المكافأة ،فكيف إذن بالإستكثار ،فإنّ الإمتنان يؤدي دائماً إلى الإستكثار ،وهذا ممّا يزيل قيمة النعم ،وما جاء من الرّوايات يشير لهذا المعنى: «لا تعط تلتمس أكثر منها »{[5551]} كما جاء في حديث آخر عن الإمام الصادق( عليه السلام )في تفسير الآية: «لا تستكثر ما عملت من خير للّه »{[5552]} وهذا فرع من ذلك المفهوم .