ويبيّن تعالى الأمر الثّالث بقوله: ( والرّجز فاهجر ) المفهوم الواسع للرجز كان سبباً لأن تذكر في تفسيره أقوال مختلفة ،فقيل: هو الأصنام ،وقيل: المعاصي ،وقيل: الأخلاق الرّذيلة الذميمة ،وقيل: حبّ الدنيا الذي هو رأس كلّ خطيئة ،وقيل هو العذاب الإلهي النازل بسبب الترك والمعصية ،وقيل: كل ما يلهي عن ذكر اللّه .
والأصل أنّ معنى «الرجز » يطلق على الاضطراب والتزلزل{[5546]} ثمّ أطلق على كل أنواع الشرك ،عبادة الأصنام ،والوساوس الشيطانية والأخلاق الذميمة والعذاب الإلهي التي تسبب اضطراب الإنسان ،فسّره البعض بالعذاب{[5547]} ،وقد اُطلق على الشرك والمعصية والأخلاق السيئة وحبّ الدّنيا تجلبه من العذاب .
وما تجدر الإشارة إليه أنّ القرآن الكريم غالباً ما استعمل لفظ «الرجز » بمعنى العذاب{[5548]} ،ويعتقد البعض أنّ كلمتي الرجز والرجس مرادفان{[5549]} .
وهذه المعاني الثلاثة ،وإن كانت متفاوتة ،ولكنّها مرتبطة بعضها بالآخر ،وبالتالي فإنّ للآية مفهوماً جامعاً ،وهو الانحراف والعمل السيئ ،وتشمل الأعمال التي لا ترضي اللّه عزّ وجلّ ،والباعثة على سخط اللّه في الدنيا والآخرة ،ومن المؤكّد أنّ النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) قد هجر واتقى ذلك حتى قبل البعثة ،وتاريخه الذي يعترف به العدو والصديق شاهد على ذلك ،وقد جاء هذا الأمر هنا ليكون العنوان الأساس في مسير الدعوة إلى اللّه ،وليكون للناس اُسوة حسنة .