تثبيت للنبيء صلى الله عليه وسلم على تحمل ما يلقاه من أذى المشركين وعلى مشاقّ الدعوة .
والصبر: ثبات النفس وتحملها المشاق والآلام ونحوها .
ومصدر الصبر وما يشتق منه يتضمن معنى التحمّل للشيء الشاقّ .
ويعدّى فعل الصبر إلى اسم الذي يتحمله الصابر بحرف ( على ) ،يقال: صبر على الأذى .ويتضمن معنى الخضوع للشيء الشاق فيعدى إلى اسم ما يتحمله الصابر باللام .ومناسبة المقام ترجح إحدى التعديتين ،فلا يقال: اصبر على الله ،ويقال: اصبر على حكم الله ،أو لحكم الله .فيجوز أن تكون اللام في قوله{ لربّك} لتعدية فعل الصبر على تقدير مضاف ،أي اصبر لأمره وتكاليف وحيه كما قال:{ واصبر لحكم ربّك فإنك بأعيننا} في سورة الطور ( 48 ) وقوله:{ فاصبر لحكم ربّك ولا تطع منهم آثماً أو كفوراً} في سورة الإِنسان ( 24 ) فيناسب نداءه ب{ يا أيها المدثر}[ المدثر: 1] لأنه تدثر من شدة وقع رؤية المَلك ،وتركُ ذكر المضاف لتذهب النفس إلى كل ما هو من شأن المضاف إليه مما يتعلق بالمخاطب .
ويجوز أن تكون اللام للتعليل ،وحذف متعلق فعل الصبر ،أي اصبر لأجل ربّك على كل ما يشق عليك .
وتقديم{ لربّك} على «( اصبر ) للاهتمام بالأمور التي يصبر لأجلها مع الرعاية على الفاصلة ،وجَعل بعضهم اللام في{ لربّك} لام التعليل ،أي اصبر على أذاهم لأجله ،فيكون في معنى: إنه يصبر توكلاً على أن الله يتولى جزاءهم ،وهذا مبني على أن سبب نزول السورة ما لحق النبي صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين .
والصبر تقدم عند قوله تعالى:{ واستعينوا بالصبر والصلاة في}[ البقرة: 45] .
وفي التعبير عن الله بوصف ( ربّك ) إيماء إلى أن هذا الصبر برّ بالمولى وطاعة له .
فهذه ست وصايا أوصى الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم في مبدإ رسالته وهي من جوامع القرآن أراد الله بها تزكية رسوله وجعلها قدوة لأمته .