وجملة{ وما يدريك} الخ في موضع الحال .
( وما يدريك ) مركبة من ( ما ) الاستفهامية وفعل الدّراية المقترن بهمزة التعدية ،أي ما يجعلك دارياً أي عالماً .ومثله:{ ما أدراك} كقوله:{ وما أدراك ما الحاقة}[ الحاقة: 3] .ومنه{ وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون} في سورة الأنعام ( 109 ) .
والاستفهام في هذه التراكيب مراد منه التنبيه على مغفول عنه ثم تقع بعده جملة نحو{ ما أدراك ما القارعة}[ القارعة: 3] ونحو قوله هنا:{ وما يدريك لعله يزكى} .
والمعنى أيُّ شيء يجعلك دارياً .وإنما يستعمل مثله لقصد الإجمال ثم التفصيل .
قال الراغب: ما ذكر ما أدراك في القرآن إلا وذكر بيانه بعده ا ه .قلت: فقد يُبينه تفصيلٌ مثل قوله هنا:{ وما يدريك لعله يزكى} وقوله:{ وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر}[ القدر: 2 3] وقد يقع بعده ما فيه تهويل نحو:{ وما أدراك ماهيه}[ القارعة: 10] أي ما يعلمك حقيقتها وقوله:{ وما أدراك ما الحاقة}[ الحاقة: 3] أي أيُّ شيء أعلمك جواب:{ ما الحاقة} .
وفعل:{ يدريك} معلق عن العمل في مفعوليه لورود حرف ( لعلّ ) بعده فإن ( لعل ) من موجبات تعليق أفعال القلوب على ما أثبته أبو علي الفارسي في « التذكرة » إلحاقاً للترجي بالاستفهام في أنه طلب .فلما علق فعل{ يدريك} عن العمل صار غير متعدَ إلى ثلاثة مفاعيل وبقي متعدياً إلى مفعول واحد بهمزة التعدية التي فيه فصار ما بعده جملة مستأنفة .
والتذكر: حصول أثر التذكير ،فهو خطور أمر معلوم في الذهن بعد نسيانه إذ هو مشتق من الذُّكر بضم الذال .
والمعنى: انظر فقد يكون تزكِّيهِ مرجواً ،أي إذا أقبلت عليه بالإِرشاد زاد الإِيمان رسوخاً في نفسه وفَعل خيرات كثيرة مما ترشده إليه فزاد تزكية ،فالمراد ب « يتزكى » تزكية زائدة على تزكية الإِيمان بالتملّي بفضائل شرائعه ومكارم أخلاقه مما يفيضه هديك عليه ،كما قال النبي صلى الله عليه وسلم"لو أنكم تكونون إذا خرجتم من عندي كما تكونون عندي لصافحتكم الملائكة"إذ الهدى الذي يزداد به المؤمن رفعة وكمالاً في درجات الإِيمان هو كاهتداء الكافر إلى الإيمان لا سيما إذ الغاية من الاهتداءين واحدة .
و{ يزكّى} أصله: يتزكى ،قلبت التاء زاياً لتقارب مخرجيهما قصداً ليتأتى الإِدغام وكذلك فُعِل في{ يذّكر} من الإِدغام .
والتزكّي: مطاوع زكَّاه ،أي يحصل أثر التزكية في نفسه .وتقدم في سورة النازعات .