وعبر عن ابن أم مكتوم ب{ الأعمى} ترقيقاً للنبيء صلى الله عليه وسلم ليكون العتاب ملحوظاً فيه أنه لما كان صاحب ضَرارة فهو أجدر بالعناية به ،لأن مثله يكون سريعاً إلى انكسار خاطره .
و{ أن جاءه الأعمى} مجرور بلام الجر محذوففٍ مع{ أن} وهو حذف مطرد وهو متعلق بفعلي{ عبس وتولى} على طريقة التنازع .
والعلم بالحادثة يدل على أن المراد مجيء خاص وأعمى معهود .
وصيغة الخبر مستعملة في العتاب على الغفلة عن المقصود الذي تضمنه الخبر وهو اقتصار النبي صلى الله عليه وسلم على الاعتناء بالحرص على تبليغ الدعوة إلى من يرجو منه قبولَها مع الذهول عن التأمل فيما يقارن ذلك من تعليم من يرغب في علم الدين ممن آمن ،ولما كان صدور ذلك من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم لم يشأ الله أن يفاتحه بما يتبادر منه أنه المقصود بالكلام ،فوجهه إليه على أسلوب الغيبة ليكون أول ما يقرع سمعه باعثاً على أن يترقب المعنيَّ من ضمير الغائب فلا يفاجئه العتاب ،وهذا تلطف من الله برسوله صلى الله عليه وسلم ليقع العتاب في نفسه مدرجاً وذلك أهون وقعاً ،ونظير هذا قوله:{ عفا اللَّه عنك لم أذنت لهم}[ التوبة: 43] .
قال عياض: قال عون بن عبد الله والسمرقندي: أخبره الله بالعفو قبل أن يخبره بالذنب حتى سكن قلبه اه .فكذلك توجيه العتاب إليه مسنداً إلى ضمير الغائب ثم جيء بضمائر الغيبة فذكر الأعمى تظهر المراد من القصة واتضح المراد من ضمير الغيبة .
ثم جيء بضمائر الخطاب على طريقة الالتفات .
ويظهر أن النبي صلى الله عليه وسلم رجا من ذلك المجلس أن يُسلموا فيسلم بإسلامهم جمهور قريش أو جميعهم فكان دخول ابن أم مكتوم قطعاً لسلك الحديث وجعل يقول للنبيء صلى الله عليه وسلم يا رسول الله استدنني ،علمني ،أرشدني ،ويناديه ويكثر النداء والإِلحاح فظهرت الكراهية في وجه الرسول صلى الله عليه وسلم لعله لقطعه عليه كلامه وخشيته أن يفترق النفر المجتمعون ،وفي رواية الطبري أنه استقرأ النبي صلى الله عليه وسلم آية من القرآن .