قوله تعالى:{عَبَسَ وَتَوَلَّى أَن جاءه الأعْمَى} .
قال الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه في دفع إيهام الاضطراب على قوله تعالى:{أَن جاءه الأَعْمَى} ما نصه: عبّر تعالى عن هذا الصَّحابي الجَليل الذي هو عبد الله بن أم مكتوم ،بلقَب يكرهه الناس ،مع أنه قال:{وَلاَ تَنَابَزُواْ بِالأَلْقَابِ} .
والجواب: هو ما نبه عليه بعض العلماء: من أن السر في التعبير عنه بلفظ الأعمى ،للإشعار بعذره في الإقدام على قطع كلام الرسول صلى الله عليه وسلم ،لأنه لو كان يرى ما هو مشتغل به مع صناديد الكفار لما قطع كلامه اه منه بلفظه .
وقال الفخر الرازي: إنه وإن كان أعمى لا يرى ،فإنه يسمع وبسماعه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وإقدامه على مقاطعته يكون مرتكباً معصية ،فكيف يعاتب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فكلامه هذا يشعر بأنه إن كان معذوراً لعدم الرؤية ،فليس معذوراً لإمكان سماعه ،ولكن ذكره بوصفه ليوجب العطف عليه والرفق به .
والظاهر والله تعالى أعلم: أن كلام الرازي ليس بعيداً عمَّا ذكره الشيخ ،لأن معناه أنه عاتبه لعدم رفقه به .ومراعاة حالة عماه .
فعليه ،يكون ذكره بهذا الوصف من باب التعريض بغيره من أولائك الصناديد وسادة القوم ،وكأنه يقول لهم:{فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَي الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} ،فهذا كفيف البصر ،ولكن وقاد البصيرة أبصر الحق وآمن ،وجاء مع عماه يسعى طلباً للمزيد ،وأنتم تغلقت قلوبكم وعميت بصائركم فلم تدركوا الحقيقة ولم تبصروا نور الإيمان ،كما في الآية الكريمة:{فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَي الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَي الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ 46} والعلم عند الله تعالى .
تنبيه
مما اتفق عليه المحدثون: جواز ذكر مثل هذه الأوصاف إذا كانت للتعريف لا للتنقيص ،فقالوا: الأعمى والأعور والأعرج .وفي الحرف قالوا: الخراز ،والخرقى ،ونحو ذلك ،وهذا ما فيه مصلحة لترجمة الرجال في السند .
ومثله: ليس تنابزاً بالألقاب في هذا الفن .والله تعالى أعلم .
ومثله: إذا كان للتعريف في غرض سليم دون تنقص كما قدمنا .