تقدم الكلام على{ أمَّا} في سورة النازعات أنها بمعنى: مهما يكن شيء ،فقوله:{ أما من استغنى} تفسيره مهما يكن الذي استغنى فأنت له تصدّى ،أي مهما يكن شيء فالذي استغنى تتصدى له ،والمقصود: أنت تحرص على التصدي له ،فجعل مضمون الجواب وهو التصدّي له معلقاً على وجود من استغنى وملازماً له ملازمة التعليققِ الشرطي على طريقة المبالغة .
والاستغناء: عدّ الشخص نفسه غنياً في أمر يدل عليه السياق قول ،أو فعل أو علم ،فالسين والتاء للحسبان ،أي حسب نفسه غنياً ،وأكثر ما يستعمل الاستغناء في التكبر والاعتزاز بالقوة .
فالمراد ب{ من استغنى} هنا: مَن عدّ نفسه غنياً عَن هديك بأن أعرض عن قبوله لأنه أجاب قول النبي صلى الله عليه وسلم له: «هل ترى بما أقول بَأساً ،بقوله: لا والدماء ... » كناية عن أنه لا بأس به يريد ولكني غيرُ محتاج إليه .
وليس المراد ب{ من استغنى} من استغنى بالمال إذ ليس المقام في إيثار صاحب مال على فقير .