إن كان الذين اعترفوا بذنوبهم وعرضوا أموالهم للصدقة قد بقي في نفوسهم اضطراب من خوف أن لا تكون توبتهم مقبولة وأن لا يكون الرسول عليه الصلاة والسلام قد رضي عنهم وكان قوله:{ إن صلواتك سكن لهم}[ التوبة: 103] مشيراً إلى ذلك ،وذلك الذي يشعر به اقتران قبول التوبة وقبول الصدقات هنا ليناظر قوله:{ اعترفوا بذنوبهم}[ التوبة: 102] وقوله:{ خذ من أموالهم صدقة}[ التوبة: 103] كانت جملة:{ ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة} استينافاً بيانياً ناشئاً عن التعليل بقوله:{ إن صلواتك سكن لهم}[ التوبة: 103] ،لأنه يثير سؤال من يسأل عن موجب اضطراب نفوسهم بعد أن تابوا ،فيكون الاستفهام تقريراً مشوباً بتعجيبٍ من ترددهم في قبول توبتهم .والمقصود منه التذكير بأمر معلوم لأنهم جروا على حال نسيانه ،ويكون ضمير{ يعلموا} عائداً إلى الذين اعترفوا بذنوبهم .
وإن كان الذين اعترفوا بذنوبهم لم يخطر ببالهم شك في قبول توبتهم وكان قوله:{ إن صلواتك سكن لهم}[ التوبة: 103] مجرد إرشاد من الله لرسوله إلى حكمة دعائه لهم بأن دعاءه يصلح نفوسهم ويقوي إيمانهم كان الكلام عليهم قد تم عند قوله:{ والله سميع عليم}[ التوبة: 103] ،وكانت جملة:{ ألم يعلموا} مستأنفة استئنافاً ابتدائياً على طريقة الاستطراد لترغيب أمثال أولئك في التوبة ممن تأخروا عنها ،وكان ضمير{ ألم يعلموا} عائداً إلى ما هو معلوم من مقام التنزيل وهو الكلام على أحوال الأمة ،وكان الاستفهام إنكارياً .
ونُزل جميعهم منزلة من لا يعلم قبول التوبة ،لأن حالهم حال من لا يعلم ذلك سواء في ذلك من يعلم قبولها ومن لا يعلم حقيقةً ،وكان الكلام أيضاً مسوقاً للتحْضيض .
وقوله:{ وأن الله هو التواب الرحيم} عطف على{ أن الله هو يقبل التوبة} ،تنبيهاً على أنه كما يجب العلم بأن الله يفعل ذلك يجب العلم بأن من صفاته العُلى أنه التواب الرحيم ،أي الموصوف بالإكثار من قبول توبة التائبين ،الرحيم لعباده ،ولا شك أن قبول التوبة من الرحمة فتعقيب{ التواب} ب{ الرحيم} في غاية المناسبة .