/م103
{ ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده} أي ألم يعلم أولئك التائبون من ذنبهم أن الله هو الذي يقبل توبة التائبين من عباده ، ولم يجعل ذلك لرسوله ، بَلْه من دونه من خلقه ، فالاستفهام لتقرير ما دل عليه القرآن وكونه هو الذي حملهم على التوبة ، أو ألم يعلم المؤمنون كافة هذا وهو مقتضى الإيمان وموجبه ؟ والاستفهام على هذا تحضيض على العلم وما يستلزمه من التوبة .وقبول التوبة عنهم ، قيل:إنه بمعنى قبولها منهم ، نحو:لا صدقة إلا عن غنى ومن غنى ، وقيل:إن القبول هنا قد تضمن معنى التجاوز والصفح ، أي هو الذي يقبلها منهم متجاوزا عن ذنوبهم عفوا عنها ، وهذا أبلغ .
{ ويأخذ الصدقات} أي يتقبلها بأنواعها ويثيب عليها ، ويعده إقراضا له فيضاعف ثوابها ، بمقتضى وعده في مثل قوله:{ إِن تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ ويَغْفِرْ لَكُمْ} [ التغابن:17] وقوله:{ من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة} [ البقرة:235] ، فأخذ الصدقات له ثلاث صور:
إحداها:أخذ الفقراء والمساكين وغيرهم إياها من المستحقين من يد المتصدق .
الثانية:أخذ النبي صلى الله عليه وسلم في عهده والأئمة من بعده إياها لأجل وضعها في مصارفها التي أمر الله بها .
الثالثة:أخذ الله عز وجل إياها ، وهو قبولها للإثابة عليها بالمضاعفة التي وعدها .
وفي التعبير بأخذ الله تعالى بعد قوله للنبي{ خذ من أموالهم صدقة} تشريف للنبي صلى الله عليه وسلم بكونه تعالى هو الذي يأخذ ما أمره بأخذه .
{ وأن الله هو التواب الرحيم} أي وأنه هو الذي يقبل التوبة بعد التوبة من كل مذنب يشعر بضرر ذنبه ، ويتوب عنه منيبا إلى ربه ، مهما يتكرر ذلك ، الرحيم بالتائبين الذي يثيبهم .فصيغة المبالغة ( التواب ) تتحقق بكثرة التائبين وبتكرار التوبة من المذنب الواحد الذي يمنعه الخوف من ربه ، أن يصر على ذنبه ، كما قال تعالى في وصف المتقين{ والَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ ومَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ ولَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وهُمْ يَعْلَمُونَ} [ آل عمران:135] ، وفي الحديث"ما أصر من استغفر ، وإن عاد في اليوم سبعين مرة "{[1633]} .روى الشيخان من حديث أبي هريرة مرفوعا:"ما تصدق أحدكم من كسب حلال طيبولا يقبل الله إلا الطيبإلا أخذها الرحمن بيمينه وإن كانت تمرة ، فتربو في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله "{[1634]} ، والحديث تمثيل لمضاعفته تعالى للصدقة المقبولة .
وهذه الجملة الاسمية المؤكدة بأن وبضمير الفصل الدالة على الحصر ، وما فيها من صيغة المبالغة بمعنى الكثرة من التوبة ، ومبالغة الصفة الراسخة من الرحمة تفيد أعظم البشرى للتائبين ، وأبلغ الترغيب في التوبة للمذنبين ، كما لا يخفى على المتدبرين .