{ ويذهب غيظ قلوبهم}
عَطْفُ فعل{ ويذهب غيظ قلوبهم} على فعل{ ويشف صدور قوم مؤمنين} ،يؤذن باختلاف المعطوف والمعطوف عليه ،ويكفي في الاختلاف بينهما اختلاف المفهومين والحالين ،فيكون ذهاب غيظ القلوب مساوياً لشفاء الصدور ،فيحصل تأكيد الجملة الأولى بالجملة الثانية ،مع بيان متعلّق الشفاء ويجوز أن يكون الاختلاف بِالمَاصْدق مع اختلاف المفهوم ،فيكون المراد بشفاء الصدور ما يحصل من المسرّة والانشراح بالنصر ،والمراد بذهاب الغيظ استراحتهم من تعب الغيظ ،وتحرّق الحقد .وضمير قلوبهم عائد إلى قوم مؤمنين فهم موعودون بالأمرين: شفاء صدورهم من عدوهم ،وذهاب غيظ قلوبهم على نكث الذين نكثوا عهدهم .
والغيظ: الغضب المشوب بإرادة الانتقام ،وتقدّم في قوله تعالى:{ عضوا عليكم الأنامل من الغيظ} في سورة آل عمران ( 119 ) .
{ ويتوب الله على من يشاء والله عليم حكيم}
جملة ابتدائية مستأنفة ،لأنّه ابتداء كلام ليس ممّا يترتب على الأمر بالقتال ،بل لذكر من لم يُقتَلوا ،ولذلك جاء الفعل فيها مرفوعاً ،فدلّ هذا النظم على أنّها راجعة إلى قوم آخرين ،وهم المشركون الذين خانوا وغدروا ،ولم يُقتلوا ،بل أسلموا من قبل هذا الأمر أو بعده .وتوبة الله عليهم: هي قبول إسلامهم أو دخولهم فيه ،وفي هذا إعذار وإمهال لمن تأخّر .وإنّما لم تفصل الجملة: للإشارة إلى أنّ مضمونها من بقية أحوال المشركين ،فناسب انتظامها مع ما قبلها .فقد تاب الله على أبي سفيان ،وعكرمة بن أبي جهل ،وسليم بن أبي عمرو ( ذكر هذا الثالث القرطبي ولم أقف على اسمه في الصحابة ) .
والتذييل بجُملة{ والله عليم حكيم} لإفادة أنّ الله يعامل الناس بما يعلم من نياتهم ،وأنّه حكيم لا يأمر إلا بما فيه تحقيق الحكمة ،فوجب على الناس امتثال أوامره ،وأنّه يقبل توبة من تاب إليه تكثيراً للصلاح .