وجملة:{ وما يغني عنه ماله إذا تردى} عطف على جملة{ فسنيسره للعسرى} أي سنعجل به إلى جهنم .فالتقدير: إذا تردّى فيها .
والتردّي: السقوط من علوّ إلى سفل ،يعني: لا يغني عنه ماله الذي بخل به شيئاً من عذاب النار .
و{ مَا} يجوز أن تكون نافية .والتقدير: وسَوْف لا يغني عنه ماله إذا سقط في جهنم ،وتحتمل أن تكون استفهامية وهو استفهام إنكار وتوبيخ .ويجوز على هذا الوجه أن تكون الواو للاستئناف .والمعنى: وما يغني عنه ماله الذي بخل به .
رَوى ابن أبي حاتم عن عكرمة عن ابن عباس: « أنه كانت لرجل من المنافقين نخلة مائلة في دار رجل مسلم ذي عيال فإذا سقط منها ثمرٌ أكله صبيةٌ لذلك المسلم فكان صاحب النخلة ينزع من أيديهم الثمرة ،فشكا المسلم ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فكلم النبي صلى الله عليه وسلم صاحب النخلة أن يتركها لهم وله بها نخلة في الجنة فلم يفعل ،وسمع ذلك أبو الدحداح الأنصاري{[450]} فاشترى تلك النخلة من صاحبها بحائط فيه أربعون نخلة وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"يا رسول الله اشترِها مني بنخلة في الجنة فقال: نعم والذي نفسي بيده ،فأعطاها الرجلَ صاحب الصبية"قال عكرمة قال ابن عباس: فأنزل الله تعالى:{ والليل إذا يغشى}[ الليل: 1] إلى قوله:{ للعسرى} وهو حديث غريب ،ومن أجل قول ابن عباس: فأنزل الله تعالى:{ والليل إذا يغشى} قال جماعة: السورة مدنية وقد بينا في المقدمة الخامسة أنه كثيراً ما يقع في كلام المتقدمين قولهم: فأنزل الله في كذا قوله كذا ،أنهم يريدون به أن القصّة ممّا تشمله الآية .وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"كمْ من عَذْق رَدَاحْ في الجنة لأبي الدحداح"ولمح إليها بشار بن برد في قوله:
إن النُحيلة إذْ يميل بها الهوى *** كالعَذق مال على أبي الدحداح