وجملة:{ سلام هي حتى مطلع الفجر} بيان لمضمون{ من كل أمر} وهو كالاحتراس لأنّ تنزّل الملائكة يكون للخير ويكون للشر لعقاب مكذبي الرسل قال تعالى:{ ما تنزل الملائكة إلا بالحق وما كانوا إذاً منظرين}[ الحجر: 8] وقال:{ يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين}[ الفرقان: 22] .وجُمع بين إنزالهم للخير والشر في قوله:{ إذ يُوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق}[ الأنفال: 12] الآية ،فأخبر هنا أن تنزل الملائكة ليلة القدر لتنفيذ أمر الخير للمسلمين الذين صاموا رمضان وقاموا ليلة القدر ،فهذه بشارة .
والسلام: مصدر أو اسم مصدر معناه السلامة قال تعالى:{ قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم}[ الأنبياء: 69] .ويطلق السلام على التحية والمِدحة ،وفسر السلام بالخَيْر ،والمعنيان حاصلان في هذه الآية ،فالسلامة تشمل كل خير لأن الخيْر سلامة من الشر ومن الأذى ،فيشمل السلامُ الغفرانَ وإجزال الثواب واستجابة الدعاء بخير الدنيا والآخرة .والسلام بمعنى التحية والقول الحسن مراد به ثناء الملائكة على أهل ليلة القدر كدأبهم مع أهل الجنة فيما حكاه قوله تعالى:{ والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار}[ الرعد: 23 ،24] .
وتنكير{ سلام} للتعظيم .وأخبر عن الليلة بأنها سلام للمبالغة لأنه إخبار بالمصدر .
وتقديم المسند وهو{ سلام} على المسند إليه لإِفادة الاختصاص ،أي ما هي إلا سلام .والقصر ادعائي لعدم الاعتداد بما يحصل فيها لغير الصائمين القائمين ،ثم يجوز أن يكون{ سلام هي} مراداً به الإِخبار فقط ،ويجوز أن يراد بالمصدر الأمرُ ،والتقدير: سلِّمُوا سلاماً ،فالمصدر بدل من الفعل وعدل عن نصبه إلى الرفع ليفيد التمكن مثل قوله تعالى:{ قالوا سلاماً قال سلام}[ الذاريات: 25] .والمعنى: اجعلوها سلاماً بينكم ،أي لا نزاع ولا خصام .ويشير إليه ما في الحديث الصحيح: «خرجتُ لأخْبِرَكم بليلة القدر فتلاحَى رجلان فرُفِعَتْ وعسى أن يكون خيراً لكم فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة» .
و{ حتى مطلع الفجر} غاية لما قبله من قوله:{ تنزل الملائكة} إلى{ سلام هي} .
والمقصود من الغاية إفادة أن جميع أحيان تلك الليلة معمورة بنزول الملائكة والسلامة ،فالغاية هنا مؤكدة لمدلول{ ليلة}[ القدر: 1] لأن الليلة قد تطلق على بعض أجزائها كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم «من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذَنْبه» أي من قام بعضها ،فقد قال سعيد بن المسيب: من شهد العشاء من ليلة القدر فقد أخذ بحَظه منها .يريد شهدها في جماعة كما يقتضيه فعل شهد ،فإن شهود الجماعة من أفضل الأعمال الصالحة .
وجيء بحرف{ حتى} لإِدخال الغاية لبيان أن ليلة القدر تمتد بعد مطلع الفجر بحيث إن صلاة الفجر تعتبر واقعة في تلك الليلة لئلا يتوهم أن نهايتها كنهاية الفِطر بآخر جزء من الليل ،وهذا توسعة من الله في امتداد الليلة إلى ما بعد طلوع الفجر .
ويستفاد من غاية تَنَزُّلِ الملائكة فيها ،أن تلك غاية الليلة وغاية لما فيها من الأعمال الصالحة التابعة لكونها خيراً من ألف شهر ،وغاية السلام فيها .
وقرأ الجمهور:{ مطلع} بفتح اللام على أنه مصدر ميمي ،أي طلوع الفجر ،أي ظهوره .وقرأه الكسائي وخَلف بكسر اللام على معنى زمان طلوع الفجر .