{ جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتهم الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم وروضا عنه} .
وجملة:{ جزاؤهم عند ربهم جنات عدن} إلى آخرها مبيِّنة لجملة:{ أولئك هم خير البريئة} .
و{ عند ربهم} ظرف وقع اعتراضاً بين{ جزاؤهم} وبين{ جنات عدن} للتنويه بعِظَم الجزاء بأنه مدَّخر لهم عند ربهم تكرمةً لهم لما في{ عند} من الإِيماء إلى الحظوة والعناية ،وما في لفظ ربهم من الإِيماء إلى إجزال الجزاء بما يناسب عظم المضاف إليه{ عندَ} ،وما يناسب شأن من يَرُب أن يبلغ بمربوبه عظيم الإحسان .
وإضافة:{ جنات} إلى{ عدن} لإِفادة أنها مسكنهم لأن العَدْن الإِقامة ،أي ليس جزاؤهم تنزهاً في الجنات بل أقوى من ذلك بالإِقامة فيها .
وقوله:{ خالدين فيها أبداً} بشارة بأنها مسكنهم الخالد .
ووصف الجنات ب{ تجري من تحتها الأنهار} لبيان منتهى حسنها .
وجَرْيُ النهر مستعار لانتقال السيْل تشبيهاً لسرعة انتقال الماء بسرعة المشي .
والنهر: أخدود عظيم في الأرض يسيل فيه الماء فلا يطلق إلا على مجموع الأخدود ومائه .وإسناد الجري إلى الأنهار توسع في الكلام لأن الذي يجري هو ماؤها وهو المعتبر في ماهية النهر .
وجعل جزاء الجماعة جمعَ الجنات فيجوز أن يكون على وجه التوزيع ،أي لكل واحد جنة كقوله تعالى:{ يجعلون أصابعهم في آذانهم}[ البقرة: 19] وقولك: ركب القوم دوابَّهم ،ويجوز أن يكون لكل أحد جنات متعددة والفضل لا ينحصر قال تعالى:{ ولمن خاف مقام ربه جنتان}[ الرحمن: 46] .
وجملة:{ رضي الله عنهم} حال من ضمير{ خالدين} ،أي خالدين خلوداً مقارناً لرضى الله عنهم ،فهم في مدة خلودهم فيها محفوفون بآثار رضى الله عنهم ،وذلك أعظم مراتب الكرامة قال تعالى:{ ورضوان من اللَّه أكبر}[ التوبة: 72] ورِضَى الله تعلق إحسانه وإكرامه لعبده .
وأما الرضى في قوله:{ ورضوا عنه} فهو كناية عن كونهم نالهم من إحسان الله ما لا مطلب لهم فوقه كقول أبي بكر في حديث الغار: « فشَرب حتى رضيتَ » ،وقول مخرمة حين أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم قَباءً: « رَضِيَ مخرمة » .وزاده حُسْن وقع هنا ما فيه من المشاكلة .
{ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِىَ ربه} .
تذييل آت على ما تقدم من الوعد للذين آمنوا والوعيد للذين كفروا بُيّن به سبب العطاء وسبب الحرمان وهو خشية الله تعالى بمنطوق الصلة ومفهومها .
والإِشارة إلى الجزاء المذكور في قوله:{ جزاؤهم عند ربهم} يعني أن السبب الذي أنالهم ذلك الجزاء هو خشيتهم الله فإنهم لما خشوا الله توقعوا غضبه إذا لم يصغوا إلى من يقول لهم: إني رسول الله إليكم ،فأقبلوا على النظر في دلائل صدق الرسول فاهتدوا وآمنوا ،وأما الذين آثروا حظوظ الدنيا فأعرضوا عن دعوة رسول من عند الله ولم يتوقعوا غضب مرسله فبقوا في ضلالهم .
فما صدْقُ: « من خشي ربه » هم المؤمنون ،واللام للملك ،أي ذلك الجزاء للمؤمنين الذين خشوا ربهم فإذا كان ذلك ملكاً لهم لم يكن شيء منه ملكاً لغيرهم فأفاد حرمان الكفرة المتقدم ذكرهم وتم التذييل .
وفي ذكر الرب هنا دون أن يقال: ذلك لمن خشي الله ،تعريض بأن الكفار لم يرعوا حق الربوبية إذ لم يخشوا ربهم فهم عبيد سوء .