والآية التالية تذكر جزاء هؤلاء المؤمنين ،وما لهم عند اللّه من مثوبة:
{جزاؤهم عند ربّهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ،رضي اللّه عنهم ورضوا عنه ،ذلك لمن خشي ربّه} .
يلاحظ أنّ الحديث عن المؤمنين مقرون بذكر الأعمال الصالحة ،باعتبارها ثمرة دوحة الإيمان .وفي ذلك إشارة إلى أن ادعاء الإيمان وحده لا يكفي ،بل لابدّ أن تشهد عليه الأعمال الصالحة .لكن الكفر وحدهوإن لم يقترن بالأعمال السيئةمبعث السقوط والشقاء .أضف إلى أن الكفر عادة منطلق لأنواع الذنوب والجرائم والانحرافات .
عبارة{اُولئك هم خير البريّة} تبيّن بجلاء أن الإنسان المؤمن ذا الأعمال الصالحة أفضل من الملائكة ،فعبارة الآية مطلقة وليس فيها استثناء ،والآيات الأخرى تشهد على ذلك أيضاً ،مثل آية سجود الملائكة لآدم ،ومثل قوله سبحانه:{ولقد كرمنا بني آدم}{[6107]} .
هذه الآية تحدثت عن الجزاء المادي الذي ينتظر المؤمنين ،وعن الجزاء المعنوي الروحي لهم ،وهو رضا اللّه عنهم ورضاهم عنه .
إنّهم راضون عن اللّه لأنّ اللّه أعطاهم ما أرادوه ،واللّه راض عنهم لأنّهم أدّوا ما أراده منهم ،وإنّ كانت هناك زلة فقد غفرها بلطفه وكرمه .وأية لذة أعظم من أن يشعر الإنسان أنّه نال رضا المحبوب ووصاله ولقاءه .
نعم ،نعيم جسد الإنسان جنات الخلد ،ونعيم روحه رضا اللّه ولقاؤه .
جملة{ذلك لمن خشي ربّه} تدل على أن كل هذه البركات تنطلق من «خشية اللّه » .لأنّ هذه الخشية دافع للحركة صوب كلّ طاعة وتقوى وعمل صالح .
بعض المفسّرين قرن هذه الآية ،بالآية ( 28 ) من سورة فاطر حيث يقول سبحانه: ( إنّما يخشى اللّه من عباده العلماء ) وخرج بنتيجة هي أنّ الجنّة للعلماء ،طبعاً لابدّ أن نأخذ بنظر الاعتبار وجود مراتب ومراحل للخشية ،وهكذا مراتب للعلم .
قيل أيضاً: إن «الخشية » أسمى من «الخوف » ،لأنّها خوف مقرون بالتعظيم والاحترام .
/خ8