قال ابن عباس رضي الله عنهما وقتادة ومجاهد والحسن وغيرهم:فضل الله الإسلام ورحمته القرآن ، فجعلوا رحمته أخص من فضله ، فإن فضله الخاص عام على أهل الإسلام ، ورحمته بتعليم كتابه لبعضهم دون بعض . فجعلهم مسلمين بفضله ، وأنزل إليهم كتابه برحمته .
قال تعالى:{ وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب إلا رحمة من ربك} [ القصص:86] وقال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه:«فضل الله القرآن ، ورحمته أن جعلنا من أهله » .
قلت:يريد بذلك أن هاهنا أمرين:
أحدهما:الفضل في نفسه . والثاني:استعداد المحل لقبوله ، كالغيث يقع على الأرض القابلة للنبات فيتم المقصود بالفضل وقبول المحل له . والله أعلم .
[ الفرح في القرآن]
وقد جاء الفرح في القرآن على نوعين:( مطلق ، ومقيد ):
فالمطلق:جاء في الذم كقوله:{ لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين} [ القصص:76] وقوله:{ إنه لفرح فخور} [ هود:10] .
والمقيد نوعان أيضا:( مقيد بالدنيا ) ينسي صاحبه فضل الله ومنته ، فهو مذموم ، كقوله:{ حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون} [ الأنعام:44] .
والثاني:مقيد بفضل الله وبرحمته .
وهو نوعان أيضا:فضل ورحمة بالسبب ، وفضل بالمسبب .
فالأول:كقوله:{ قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون} . والثاني:كقوله:{ فرحين بما آتاهم الله من فضله} [ آل عمران:170] .
فالفرح بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم وبالإيمان وبالسنة وبالعلم والقرآن من علامات العارفين .
قال الله تعالى:{ وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون} [ التوبة:124] وقال:{ والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنزل إليك} [ الرعد:38] .
فالفرح بالعلم والإيمان والسنة دليل على تعظيمه عند صاحبه ومحبته له . وإيثاره له على غيره ، فإن فرح العبد بالشيء عند حصوله له على قدر محبته له ورغبته فيه ، فمن ليس له رغبة في الشيء لا يفرحه حصوله ، له ولا يحزنه فواته ، فالفرح تابع للمحبة والرغبة ، والفرق بينه وبين الاستبشار:أن الفرح بالمحبوب بعد حصوله ، والاستبشار يكون به قبل حصوله إذا كان على ثقة من حصوله ، ولهذا قال تعالى:{ فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم} [ آل عمران:180] .
والفرح صفة كمال . ولهذا يوصف الرب تعالى بأعلى أنواعه وأكملها ، كفرحه بتوبة التائب أعظم من فرحة الواحد لراحلته التي عليها طعامه وشرابه في الأرض المهلكة بعد فقده لها واليأس من حصولها .
والمقصود:أن الفرح أعلى أنواع:نعيم القلب ولذته ، وبهجته ، والفرح والسرور:نعيمه . والهم والحزن:عذابه ، والفرح بالشيء فوق الرضى به ، فإن الرضى
طمأنينة وسكون وانشراح ، والفرح لذة وبهجة وسروره ، فكل فرح راض . وليس كل راض فرح . ولهذا كان الفرح ضد الحزن ، والرضى ضد السخط ، والحزن يؤلم صاحبه . والسخط لا يؤلمه ، إلا إن كان مع العجز عن الانتقام . والله أعلم .