تفسير قول الله تعالى ذكره:{ ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله} .
أخبر تعالى:أن من أحب من دون الله شيئا كما يحب الله تعالى ، فهو ممن اتخذ من دون الله أندادا فهذا ند في المحبة ، لا في الخلق والربوبية . فإن أحدا من أهل الأرض لم يثبت هذا الند . بخلاف ند المحبة . فإن أكثر أهل الأرض قد اتخذوا من دون الله أندادا في الحب والتعظيم .
ثم قال:{ والذين آمنوا أشد حبا لله} وفي تقدير الآية قولان:
أحدهما:والذين آمنوا أشد حبا لله من أصحاب الأنداد لأندادهم ، وآلهتهم التي يحبونها ، ويعظمونها من دون الله .
والثاني:والذين آمنوا أشد حبا لله من محبة المشركين بالأنداد لله . فإن محبة المؤمنين خالصة ومحبة أصحاب الأنداد قد ذهبت أندادهم بقسط منها . والمحبة الخالصة أشد من المحبة المشركة .
والقولان مرتبان على القولين في قوله تعالى:{ يحبونهم كحب الله} فإن فيها قولان:
أحدهما:يحبونهم كما يحبون الله . فيكون قد أثبت لهم محبة الله:ولكنها محبة يشركون فيها مع الله أندادا .
والثاني:أن المعنى يحبون أندادهم ، كما يحب المؤمنون الله ، ثم بين أن محبة المؤمنين لله أشد من محبة أصحاب الأنداد لأندادهم .
وكان شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - يرجح القول الأول ، ويقول:إنما ذموا بأن أشركوا بين الله وبين أندادهم في المحبة ولم يخلصوها لله ، كمحبة المؤمنين له .
وهذه التسوية المذكورة في قوله تعالى حكاية عنهم - وهم في النار – لأنهم يقولون لآلهتهم وأندادهم ، وهي محضرة معهم في العذاب:{ تالله إن كنا لفي ضلال مبين - إذ نسويكم برب العالمين} [ الشعراء:98 .97] ومعلوم أنهم لم يسووهم برب العالمين في الخلق والربوبية ، وإنما سووهم به في المحبة والتعظيم .
هذا حال قلب المؤمن:توحيد الله وذكر رسوله صلى الله عليه وسلم مكتوبان فيه ، لا يتطرق إليهما محو ولا إزالة ، ولما كانت كثرة ذكر الشيء موجبة لدوام محبته ، ونسيانه سببا لزوال محبته أو ضعفها . وكان الله سبحانه هو المستحق من عبادة نهاية الحب مع نهاية التعظيم ، بل الشرك الذي لا يغفره الله لعبده:هو أن يشرك به في الحب والتعظيم ، فيحب غيره ويعظم من المخلوقات غيره كما يحب الله تعالى ويعظمه قال تعالى:{ ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا اشد حبا لله} [ البقرة:165] فأخبر سبحانه أن المشرك يحب الند كما يحب الله تعالى ، وان المؤمن اشد حبا لله من كل شيء . وقال أهل النار في النار:{ تالله إن كنا لفي ضلال مبين * إذ نسويكم برب العالمين} [ الشعراء:98 .97] .
ومن المعلوم:أنهم إنما سووهم به سبحانه في الحب والتأله والعبادة ، وألا فلم يقل أحد قط:أن الصنم أو غيره من الأنداد مساو لرب العالمين في صفاته وفي أفعاله ، وفي خلق السماوات والأرض ، وفي خلق عباده أيضا . وإنما كانت السوية في المحبة والعبادة .
وأضل من هؤلاء وأسوأ حالا من سوى كل شيء بالله سبحانه في الوجود ، وجعله وجود كل موجود ، كامل أو ناقص . فإذا كان الله قد حكم بالضلال والشقاء لمن سوى بينه وبين الأصنام في الحب ، مع اعتقاد تفاوت ما بين الله وبين خلقه في الذات والصفات والأوصاف والأفعال ، فكيف بمن سوّى الله بالموجودات في جميع ذلك ، بل كيف بمن جعل ربه كل هذه الموجودات ؟ وزعم أن ما عبد حجرا أو شجرا ، أو حيوانا فما عبد غير الله في كل معبود .