ثم ذكر سبحانه المصرف الذي توضع فيه الصدقة ، فقال تعالى:{ للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا} .
فوصفهم بست صفات:
إحداها:الفقر .
الثانية:حبسهم أنفسهم في سبيله تعالى وجهاد أعدائه ، ونصر دينه ، وأصل الحصر:«المنع » ، فمنعوا أنفسهم من تصرفها في أشغال الدنيا ، وقصروها على بذلها لله في سبيله .
الثالثة:عجزهم عن الأسفار للتكسب ، ( والضرب في الأرض ):هو السفر . قال تعالى:{ علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله} [ المزمل:20] وقال تعالى:{ وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة} [ النساء:101] .
الرابعة:شدة تعففهم . وهو حسن صبرهم ، وإظهارهم الغنى . حتى يحسبهم الجاهل أغنياء من تعففهم ، وعدم تعرضهم وكتمانهم حاجتهم .
الخامسة:أنهم يعرفون بسيماهم . وهي العلامة الدالة على حالتهم التي وصفهم الله بها . وهذا لا ينافي حسبان الجاهل أنهم أغنياء ، لأن الجاهل له ظاهر الأمر ، والعارف:هو المتوسم المتفرس الذي يعرف الناس بسيماهم . فالمتوسمون خواص للمؤمنين ، كما قال تعالى:{ إن في ذلك لآيات للمتوسمين} [ الحجر:75] .
السادسة:تركهم مسألة الناس ، فلا يسألونهم شيئا ، والإلحاف:هو الإلحاح والنفي متسلط عليهما معا ، أي لا يسألون ولا يلحفون ، فليس يقع منهم سؤال يكون بسببه إلحاف . وهذا كقوله .
على لاحب لا يهتدي لمناره *** . . .
أي:ليس فيه منار فيهتدي به .
وفيه:كالتنبيه على أن المذموم من السؤال:هو سؤال الإلحاف . فأما السؤال بقدر الضرورة من غير إلحاف فالأفضل تركه ولا يحرم .
/م273