ثم أخبر سبحانه أنهم لا يتمنونه أبدا بما قدمت أيديهم من الأوزار والذنوب الحائلة بينهم وبين ما قالوه . فقال:{ ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين} .
وقالت طائفة - منهم محمد بن إسحاق وغيره -:هذه من جنس آية المباهلة وأنهم لما عاندوا ، ودفعوا الهدى عيانا ، وكتموا الحق دعاهم إلى أمر يحكم بينهم وبينه . وهو أن يدعوا بالموت على الكاذب المفتري . والتمني:سؤال ودعاء ، فتمنوا الموت:أي سلوه ، وادعوا به على المبطل الكاذب المفترى .
وعلى هذا:فليس المراد تمنوه لأنفسكم خاصة - كما قاله أصحاب القولين الأولين -بل ادعوا بالموت وتمنوه للمبطل . وهذا أبلغ في إقامة الحجة ، وبرهان الصدق ، وأسلم من أن يعارضوا رسول الله بقولهم:فتمنوه أنتم أيضا إن كنتم محقين في دعواكم:أنكم أهل الجنة ، لتقدموا على ثواب الله وكرامته ، كانوا أحرص شيء على معارضته . فلو فهموا منه ما ذكره أولئك لعارضوه بمثله .
وأيضا فإنا نشاهد كثيرا منهم يتمنى الموت لفقره وبلائه ، وشدة حاله ، ويدعو به ، وهذا بخلاف تمنيه والدعاء به على الفرقة الكاذبة . فإن هذا لا يكون أبدا ، ولا وقع من أحد منهم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم البتة . وذلك لعلمهم بصحة نبوته وصدقه ، وكفرهم به حسدا وبغيا ، فلا يتمنوه أبدا ، لعلمهم أنهم هم الكاذبون وهذا القول هو الذي نختاره . والله أعلم بما أراد من كتابه .