{ قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم أنتم تشركون ( 64 )}
الكرب الغم الشديد مأخوذ من كرب الأرض وهو إثارتها وقلبها بالحفر إذ الغم يثير النفس كذلك ، أو من الكرب ( بالتحريك ) وهو العقد الغليظ في رشاء الدلو ( حبله ) وقد يوصف الغم بأنه عقدة على القلب أي لما يشعر به المغموم من الضغط على قلبه والضيق في صدره ، أو من أكربت الدلو إذا ملأته ، أفاده الراغب .والمعنى أن الله ينجيكم المرة بعد المرة من تلك الظلمات ومن كل كرب يعرض لكم ، ثم أنتم تشركون به غيره بعد النجاة أقبح الشرك ، مخلفي وعدكم له بالشكر ، حانثين بما وكدتموه به من اليمين ، مواظبين على هذا الشرك مستمرين ، لا تكادون تنسونه إلا عند ظلمة الخطب ، وشدة الكرب ، وأجلى شرككم أنكم تدعون أولياء من دون الله ، وتسندون إليهم الأعمال إن لم يكن بالاستقلال فبالشفاعة عند الله ، حتى إنكم لا تستثنون منها تلك النجاة .وهذه الحجة من أبلغ الحجج لمن تأملها ، ولذلك تكرر في التنزيل ذكرها ، وطالما ذكرناها في آيات التوحيد ودلائله ، وأقرب بسط لها ما أوردناه في تفسير الآيتين من هذه السورة وفيه شواهد بمعنى هاتين الآيتين .فليراجع ( ج7 تفسير ) .
قرأ عاصم وحمزة والكسائي ( ينجيكم ) بالتشديد في الموضعين من التنجية والباقون بالتخفيف فيهما من الإنجاء وهما لغتان في تعدية نجا ينجو ، يقال نجاه وأنجاه ونطق بهما القرآن في غير هاتين الآيتين أيضا ، ولكن في التشديد من المبالغة والدلالة على التكرار ما ليس في التخفيف .وقرأ عاصم في رواية أبي بكر ( خفية ) بكسر الخاء والباقون بضمها وهما لغتان كما تقدم .وقرأ عاصم وحمزة والكسائي ( أنجانا ) على الغيبة فعاصم فخمها والآخرون قرأوها بالإمالة ، وقرأ الباقون ( أنجيتنا ) على الخطاب .وهي مرسومة في المصحف الإمام هكذا ( أنجينا ) وقراءة الغيبة أقوى مناسبة للفظ ، والخطاب أشد تأثيرا في النفس .