{ لكل نبإ مستقر وسوف تعلمون ( 67 )} هذا تمام ما أمر الله تعالى رسوله أن يقوله لقومه المكذبين ، والنبأ الخبر كما قيل أو الخبر الذي له شأن يهتم به ، وقال الراغب خبر ذو فائدة عظيمة يحصل به علم أو غلبة ظن ولا يقال للخبر نبأ حتى يتضمن هذه الأشياء الثلاثة اه .ويراد به المعنى المصدري أو مدلوله الذي يقع مصدقا له .والمستقر مصدر ميمي بمعنى الاستقرار وهو الثبات الذي لا تحول فيه واسم زمان ومكان له ، وإرادة الزمان هنا أظهر ويستلزم غيره معه .
والمعنى:لكل شيء ينبأ عنه مستقر تظهر فيه حقيقته ويتميز حقه من باطله ، فلا يبقى مجال للاختلاف فيه ، وسوف تعلمون مستقر ما أنبأ به القرآن الذي كذبتم به من وعد ووعيد- أو لكل نبأ من أنباء القرآن الحق الذي كذبوا به زمان يحصل فيه مضمونه فيكون قارا ثابتا فيه .ومن هذه الأنباء ما وعد الله الرسول من نصره عليهم وما أوعدهم من الخزي والعذاب في الدنيا والآخرة{ كذب الذين من قبلهم فأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون* فأذاقهم الله الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون} [ الزمر:25 ، 26]{ قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه} [ هود:93]{ ويحل عليه عذاب مقيم} [ هود:39]{ إنا أنزلنا عليك الكتاب للناس بالحق فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنت عليهم بوكيل} [ الزمر:41] وسوف تعلمون ذلك عند وقوعه .وحسبك هذه الشواهد فهي مطابقة لما هنا أتم المطابقة ، وإذا جعل المستقر بمعنى الاستقرار كان معناه لكل نبأ من أنباء القرآن استقرار أي وقوع ثابت لا بد منه .
ومن أنباء القرآن ما هو خاص بأولئك القوم ومنه ما هو في غيرهم ، ومنه ما هو نبأ عن أهل ذلك العصر ومنه ما هو نبأ عمن بعدهم .ومنه ما هو عام يشمل أمورا تأتي في أزمنة مختلفة فيحصل في كل زمن منها ما يثبت لمن فقهه حقية القرآن{ قل أرأيتم إن كان من عند الله ثم كفرتم به من أضل ممن هو في شقاق بعيد* سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ، أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد} [ فصلت:52 ، 53] وإذا أردت أن تزداد فهما بوجوه الاتصال والتناسب بين الآيات في هذا السياق ، فارجع إلى ما ذكرناه من الكلام في مسألة استعجالهم العذاب ، وأجله الذي لا يتعداه ، والحمد لله .