{ وكذب به قومك وهو الحق} الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم أي وكذب جمهور قومك- وهم قريش- بالعذاب أو بالقرآن ، على ما صرفنا من الآيات الجاذبة إلى فقه الإيمان ، يجعلها حججا يثبتها الحس والعقل والوجدان ، في أعلى أساليب البلاغة وحسن البيان ، والحال أنه هو الحق الثابت في نفسه ، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وما سبب ذلك إلا الكبر والعناد ، والجمود على تقليد الآباء والأجداد .
{ قل لست عليكم بوكيل ( 66 )} أي قل لهم أيها الرسول إنني لست بوكيل مسيطر عليكم ، وإنما أنا رسول لكم ، فالوكيل هو الذي توكل إليه الأمور ، وفي الوكالة .معنى السيطرة والتصرف ، فمن جعله السلطان أو الملك وكيلا له على بلاده أو مزارعه يكون مأذونا بالتصرف عنه فيها والسيطرة على أهلها .والرسول مبلغ عن الله تعالى يذكر الناس ويعلمهم ، ويبشرهم وينذرهم ، ويقيم دين الله فيهم ، هذه وظيفته .وليس وكيلا عن ربه ومرسله ، ولا يعطي القدرة على التصرف في عباده ، حتى يجبرهم على الإيمان إجبارا ، ويكرههم عليه إكراها{ لا إكراه في الدين} [ البقرة:256]{ فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر} [ الغاشية:21 ، 22]{ نحن أعلم بما يقولون وما أنت عليهم بجبار ، فذكر بالقرآن من يخاف وعيد} [ ق:45]{ ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء} [ البقرة:272] وراجع تفسير ( 6:50 ج 7 تفسير ) وقيل الوكيل الحفيظ المجازي .
وروي عن ابن عباس رضي الله عنه أن هذه الآية نسخت بآية القتال وتمسك بهذه الرواية كثير من المفسرين المغرمين بتكثير الآيات المنسوخة قال الفخر الرازي:وهو بعيد ، وهو في قوله المصيب ، فإن الإذن بالقتال للدفاع عن الحق والحقيقة ، وحماية الدعوة والبيضة ، لم يخرج الرسول عن كونه رسولا ، أي عبدا لله مبلغا عنه لا شريكا له ولا وكيلا ، وما أرى الرواية تصح عن ابن عباس ، ولو صحت لكان الوجه في مراده منها أن آية القتال أزالت ما كان من لوازم هذه الآية وأمثالها من إرشاد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى السكوت للمشركين على ما كان من تكذيبهم لما جاء به ، ذلك التكذيب القولي العملي الذي أبرزوه بالصد عنه ، ومنعه من تبليغ دعوة ربه ، وإيذائه وإيذاء من آمن به ، فإن الصحابة كانوا يريدون من النسخ معنى أعم من المعنى الذي قرره علماء الأصول وهو الذي يجري عليه المفسرون .ومن هنا قال الزجاج في تفسير العبارة:أي إني لم أومر بحربكم ومنعكم عن التكذيب اه وبناء على هذا قال كثيرون بنسخ الآيات الكثيرة التي أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم بالصبر والعفو وحسن المعاملة وهي الفضائل التي كان صلى الله عليه وسلم متحليا بها طول عمره ، مع وضعه كل شيء في موضعه .
ووضع الندى في موضع السيف في العلى*** مضر كوضع السيف في موضع الندى