عطف على{ انظر كيف نُصَرّفُ الآيات}[ الأنعام: 65] ،أي لعلَّهم يفقهون فلم يفقهوا وكذّبوا .وضمير{ به} عائد إلى العذاب في قوله{ على أن يبعث عليكم عَذَاباً}[ الأنعام: 65] ،وتكذيبهم به معناه تكذيبهم بأنّ الله يعذّبهم لأجل إعراضهم .
والتعبير عنهم ب{ قومك} تسجيل عليهم بسوء معاملتهم لمن هو من أنفسهم ،كقوله تعالى:{ قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القُرْبى}[ الشورى: 23] ،وقال طرفة:
وظُلْمُ ذوي القُربى أشدُّ مضاضةً *** على المرْء من وقْع الحُسام المهنّدِ
وتقدّم وجه تعدية فعل ( كذّب ) بالباء عند قوله تعالى:{ وكذّبتم به} في هذه السورة[ 57] .
وجملة{ وهو الحقّ} معترضة لقصد تحقيق القدرة على أن يبعث عليهم عذاباً الخ .
وقد تحقّق بعض ذلك بعذاببٍ من فوقهم وهو عذاب القحط ،وبإذاقتهم بأس المسلمين يوم بدر .
ويجوز أن يكون ضمير به عائداً إلى القرآن ،فيكون قوله:{ وكذّب به} رجوعاً بالكلام إلى قوله{ قل إنِّي على بيِّنة من ربِّي وكذّبتم به}[ الأنعام: 57] ،أي كذّبتم بالقرآن ،على وجه جعل ( مِنْ ) في قوله:{ من ربِّي}[ الأنعام: 57] ابتدائية كما تقدّم ،أي كذّبتم بآية القرآن وسألتم نزولَ العذاب تصديقاً لرسالتي وذلك ليس بيدي .ثم اعتُرض بجمل كثيرة .أولاها:{ وعنده مفاتح الغيب}[ الأنعام: 59] ،ثم ما بعده من التعريض بالوعيد ،ثم بنى عليه قوله:{ وكذّب به قومك وهو الحقّ} فكأنّه قيل: قل إنّي على بيّنة من ربّي وكذّبتم به وهو الحقّ قُل لست عليكم بوكيل .
وقوله:{ قل لست عليكم بوكيل} إرغام لهم لأنَّهم يُرُونَه أنَّهم لمَّا كذّبوه وأعرضوا عن دعوته قد أغاظوه ،فأعلمهم الله أنَّه لا يغيظه ذلك وأنّ عليه الدعوة فإذا كانوا يُغيظون فلا يغيظون إلاّ أنفسهم .
والوكيل هنا بمعنى المدافع الناصر ،وهو الحفيظ .وتقدّم عند قوله تعالى:{ وقالوا حسبُنا الله ونعم الوكيل} في سورة[ آل عمران: 173] .
وتعديته ب ( على ) لتضمنّه معنى الغلبة والسلطة ،أي لست بقيِّم عليكم يمنعكم من التكذيب ،كقوله تعالى:{ فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظاً إن عليك إلاّ البلاغ}[ الشورى: 48] .