( وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُل لَّسْتُ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ 66 لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ 67 وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ 68 وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَلَكِن ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ 69 ) .
بين الله سبحانه وتعالى في الآيات السابقة أنه سبحانه وتعالى هو الذي يلجأ إليه عند الشدة وأنهم يلجئون إليه ويدعونه تضرعا وخفية في ظلمات البر والبحر ، وأنه وحده المنجى ولا منجى سواه وأنه سبحانه منزل الشدائد وهم بعد زوال الغمة بدل أن يوفوا بعهودهم ويشكروا نعمة الله باختصاصه بالعبادة كما اختص بالإنجاء والابتلاء يشركون غيره ممن لا يضر ولا ينفع ، وفي هذه يقرر موقفهم من الحق وخوضهم في أمره بالباطل مما يدل على أن سبب ضلالهم أنهم لا ينظرون في قضية العبادة نظرة جادة ، تتكافأ مع مقدار الجلال في الحقائق الدينية والمعاني الإلهية ، ولذلك لا تنفذ بصائرهم ولا تهتدي قلوبهم بل هم في غي دائم حتى يسترشدوا فيرشدوا ويطلبوا الحق فيهتدوا .
( وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُل لَّسْتُ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ ) .
مع هذا التصريف في بيان الآيات بذكر النعمة التي يلجئون إلى طلبها دون سواه ، وبيان القدرة الكاملة الشاملة ، وبيان أنه الذي ينزل الابتلاء والعذاب الدنيوي ليقيسوا عليه من بعد العذاب الأخروي كذبت قريش قوم النبي صلى الله عليه وسلم وتكذيبها مع قيام البينات الصادقة ومع حالهم من الاستسلام وطلب النجاة منه عند الشدة يدل على إدراك ناقص أولا لان مناقضة الشخص لحاله أو لبعض أحواله دليل على غفلته عن إدراك الحقائق الكاملة وعن نسيان الوقائع ويدل أيضا على جحود مستحكم ومقاومة للحق مع قيام الأدلة ، وشهادة الآيات ويدل على تغلغل التقليد في نفوسهم حتى إنه يضع على أعينهم غشاوة وإن كان البصر قائما فلهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها .
وقال بعض المفسرين:إن قوم النبي صلى الله عليه وسلم هم أمته الذين بعث فيهم لا فرق بين عربي وأعجمي ولا أبيض وأسود ولا شرقي ولا غربي فأولئك قومه صلى الله عليه وسلم .
ونحن نميل إلى ما عليه الجمهور من المفسرين لأن الأمة أعم من القوم في أصل الدلالة اللغوية وإنما ذكر الله تعالى قوم النبي صلى الله عليه وسلم من قريش لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان حفيا بان يؤمنوا حريصا على إيمانهم حتى إنه عندما كان الأذى بشتى ضروبه قال:اللهم اغفر لقومي فانهم لا يعلمون وقال:( وإني لأرجو أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله ){[1025]} وللإشارة عالى عموم الدعوة الى هذه الدعوة وإنه إن وجد من يرد دعوته من قومه ويشددون في بلائه فسيجد المستجيب من غيرهم وان الهداية قد تكون من خارج قومه ( انك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء . .56 . ) ( القصص ) .
قوله تعالى:( وهو الحق ) فيه إشارة إلى أنهم لا دليل عندهم ولا موجب ، لأنه الحق الثابت الذي قام الدليل عليه وشهدت له البينات وقام من أنفسهم دليل صدقه فالواو ما يسمى في عرف النحويين واو الحال ، أي أني يكذبون ذلك التكذيب والحال أنه حق ثابت وذلك لشدة العناد
إذ إن الدليل قائم والقربى بينك وبينهم ثابتة ومع ذلك جحدوا بها ، وان استيقنتها أنفسهم ولست مسؤولا عن كفرهم وقد بينت وبلغت وما عليك إلا البلاغ .
وإذا كان قومك يكذبون بالحق ، وقد ظهرت دلائله وبرقت بوارقه ، فقل لهم غانك إذ بلغت وبينت لست مسئولا عنهم ، وهذا ما يشير إليه قوله تعالى:( قل لست عليكم بوكيل ) وأمره صلى الله عليه وسلم من قبل الله تعالى لتأكيد أن عليهم وحدهم تبعة تكذيبهم وأن النبي صلى الله عليه وسلم مهما تكن صلته بهم من قرابة ورحم موصولة من جانبه لا يتحمل تبعة ما يفعلون بل كل امرئ بما كسب رهين ، ولا تزر وازرة وزر أخرى وما على الرسول إلا البلاغ والوكيل هنا هو المتكفل بأمورهم والموكول إليه شؤونهم الذي شملت كفالته عليكم فليس بذي رقابة ومسئولية عنهم ، وقد قال الراغب في معنى وكيل:وكيل فعيل بمعنى مفعول قال تعالى:(. . .وكفى بالله وكيلا . . .81 ) ( النساء ) أي اكتف به أن يتولى أمرك ) ويتوكل لك ، وعلى هذا:(. . .حسبنا الله ونعم الوكيل173 ) ( آل عمران ) (. . .وما أنت عليهم بوكيل 107 ) ( الأنعام ) أي بموكول عليهم وحافظ لهم كقوله تعالى:( لست عليهم بمسيطر 22 إلا من تولى وكفر 23 ) ( الغاشية ) وعلى هذا قوله تعالى:( قل لست عليكم بوكيل ) أي لست بموكول بكم حافظ عليكم لأحملكم على الجادة ، بل على التبليغ فقط وأنتم مسئولون عما تكذبون وتقترفون ولذا حملهم سبحانه التبعة وأنه واقع بهم ما أنذرهم ، وأن إخبارهم بما يكون في اليوم الآخر واقع لا محالة: