وقوله:( ويمنعون الماعون ) أي:لا أحسنوا عبادة ربهم ، ولا أحسنوا إلى خلقه حتى ولا بإعارة ما ينتفع به ويستعان به ، مع بقاء عينه ورجوعه إليهم . فهؤلاء لمنع الزكاة وأنواع القربات أولى وأولى . وقد قال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد:قال علي:الماعون:الزكاة . وكذا رواه السدي ، عن أبي صالح ، عن علي . وكذا روي من غير وجه عن ابن عمر . وبه يقول محمد بن الحنفية ، وسعيد بن جبير ، وعكرمة ، ومجاهد ، وعطاء ، وعطية العوفي ، والزهري ، والحسن ، وقتادة ، والضحاك ، وابن زيد .
وقال الحسن البصري:إن صلى راءى ، وإن فاتته لم يأس عليها ، ويمنع زكاة ماله وفي لفظ:صدقة ماله .
وقال زيد بن أسلم:هم المنافقون ظهرت الصلاة فصلوها ، وضمنت الزكاة فمنعوها .
وقال الأعمش وشعبة ، عن الحكم ، عن يحيى بن الجزار:أن أبا العبيدين سأل عبد الله بن مسعود عن الماعون ، فقال:هو ما يتعاوره الناس بينهم من الفأس والقدر ، [ والدلو] .
[ وقال المسعودي ، عن سلمة بن كهيل ، عن أبي العبيدين:أنه سئل ابن مسعود عن الماعون ، فقال:هو ما يتعاطاه الناس بينهم ، من الفأس والقدر] والدلو ، وأشباه ذلك .
وقال ابن جرير:حدثني محمد بن عبيد المحاربي ، حدثنا أبو الأحوص ، عن أبي إسحاق ، عن أبي العبيدين وسعد بن عياض ، عن عبد الله قال:كنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نتحدث أن الماعون الدلو ، والفأس ، والقدر ، لا يستغنى عنهن .
وحدثنا خلاد بن أسلم ، أخبرنا النضر بن شميل ، أخبرنا شعبة ، عن أبي إسحاق قال:سمعت سعد بن عياض يحدث عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مثله .
وقال الأعمش ، عن إبراهيم ، عن الحارث بن سويد عن عبد الله أنه سئل عن الماعون ، فقال:ما يتعاوره الناس بينهم:الفأس والدلو وشبهه .
وقال ابن جرير:حدثنا عمرو بن علي الفلاس ، حدثنا أبو داود - هو الطيالسي - ، حدثنا أبو عوانة ، عن عاصم بن بهدلة ، عن أبي وائل ، عن عبد الله قال:كنا مع نبينا صلى الله عليه وسلم ونحن نقول:الماعون:منع الدلو وأشباه ذلك .
وقد رواه أبو داود والنسائي ، عن قتيبة ، عن أبي عوانة بإسناده نحوه ، ولفظ النسائي عن عبد الله قال:كل معروف صدقة ، وكنا نعد الماعون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عارية الدلو والقدر .
وقال ابن أبي حاتم:حدثنا أبي ، حدثنا عفان ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن عاصم ، عن زر ، عن عبد الله قال:الماعون:العواري:القدر ، والميزان ، والدلو .
وقال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد عن ابن عباس:( ويمنعون الماعون ) يعني:متاع البيت . وكذا قال مجاهد وإبراهيم النخعي وسعيد بن جبير وأبو مالك ، وغير واحد:إنها العارية للأمتعة .
وقال ليث بن أبي سليم ، عن مجاهد عن ابن عباس:( ويمنعون الماعون ) قال:لم يجئ أهلها بعد .
وقال العوفي عن ابن عباس:( ويمنعون الماعون ) قال:اختلف الناس في ذلك ، فمنهم من قال:يمنعون الزكاة . ومنهم من قال:يمنعون الطاعة . ومنهم من قال:يمنعون العارية . رواه ابن جرير . ثم روي عن يعقوب بن إبراهيم ، عن ابن علية ، عن ليث بن أبي سليم ، عن أبي إسحاق ، عن الحارث ، عن علي:الماعون:منع الناس الفأس ، والقدر ، والدلو .
وقال عكرمة:رأس الماعون زكاة المال ، وأدناه المنخل والدلو ، والإبرة . رواه ابن أبى حاتم .
وهذا الذي قاله عكرمة حسن ; فإنه يشمل الأقوال كلها ، وترجع كلها إلى شيء واحد . وهو ترك المعاونة بمال أو منفعة . ولهذا قال محمد بن كعب:( ويمنعون الماعون ) قال:المعروف . ولهذا جاء في الحديث:"كل معروف صدقة ".
وقال ابن أبي حاتم:حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا وكيع ، عن ابن أبي ذئب عن الزهري:( ويمنعون الماعون ) قال:بلسان قريش:المال .
وروى هاهنا حديثا غريبا عجيبا في إسناده ومتنه فقال:
حدثنا أبي وأبو زرعة ، قالا:حدثنا قيس بن حفص الدارمي ، حدثنا دلهم بن دهثم العجلي ، حدثنا عائذ بن ربيعة النميري ، حدثني قرة بن دعموص النميري:أنهم وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا:يا رسول الله ، ما تعهد إلينا ؟ قال:"لا تمنعون الماعون ". قالوا:يا رسول الله ، وما الماعون ؟ قال:"في الحجر ، وفي الحديدة ، وفي الماء ". قالوا:فأي حديدة ؟ قال:"قدوركم النحاس ، وحديد الفأس الذي تمتهنون به ". قالوا:وما الحجر ؟ قال:"قدوركم الحجارة ".
غريب جدا ، ورفعه منكر ، وفي إسناده من لا يعرف ، والله أعلم .
وقد ذكر ابن الأثير في الصحابة ترجمة "علي النميري "، فقال:روى ابن قانع بسنده إلى عائذ بن ربيعة بن قيس النميري ، عن علي بن فلان النميري:سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"المسلم أخو المسلم . إذا لقيه حياه بالسلام ، ويرد عليه ما هو خير منه ، لا يمنع الماعون ". قلت:يا رسول الله ، ما الماعون ؟ قال:"الحجر ، والحديد ، وأشباه ذلك ".
آخر تفسير سورة "الماعون ".