( واصنع الفلك ) يعني:السفينة ( بأعيننا ) أي:بمرأى منا ، ( ووحينا ) أي:وتعليمنا لك ماذا تصنعه ، ( ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون ) .
فقال بعض السلف:أمره الله تعالى أن يغرز الخشب ويقطعه وييبسه ، فكان ذلك في مائة سنة ، ونجرها في مائة سنة أخرى ، وقيل:في أربعين سنة ، فالله أعلم .
وذكر محمد بن إسحاق عن التوراة:أن الله أمره أن يصنعها من خشب الساج ، وأن يجعل طولها ثمانين ذراعا وعرضها خمسين ذراعا .
وأن يطلي باطنها وظاهرها بالقار ، وأن يجعل لها جؤجؤا أزور يشق الماء . وقال قتادة:كان طولها ثلاثمائة ذراع ، في عرض خمسين .
وعن الحسن:طولها ستمائة ذراع وعرضها ثلاثمائة ذراع .
وعنه مع ابن عباس:طولها ألف ومائتا ذراع ، في عرض ستمائة .
وقيل:طولها ألفا ذراع ، وعرضها مائة ذراع ، فالله أعلم .
قالوا كلهم:وكان ارتفاعها في السماء ثلاثين ذراعا ، ثلاث طبقات ، كل طبقة عشرة أذرع ، فالسفلى للدواب والوحوش:والوسطى للإنس:والعليا للطيور . وكان بابها في عرضها ، ولها غطاء من فوقها مطبق عليها .
وقد ذكر الإمام أبو جعفر بن جرير أثرا غريبا ، من حديث علي بن زيد بن جدعان ، عن يوسف بن مهران ، عن عبد الله بن عباس ; أنه قال:قال الحواريون لعيسى ابن مريم:لو بعثت لنا رجلا شهد السفينة فحدثنا عنها . قال:فانطلق بهم حتى أتى إلى كثيب من تراب ، فأخذ كفا من ذلك التراب بكفه ، قال أتدرون ما هذا ؟ قالوا:الله ورسوله أعلم ، قال:هذا كعب حام بن نوح . قال:وضرب الكثيب بعصاه ، قال:قم بإذن الله فإذا هو قائم ينفض التراب عن رأسه ، قد شاب . قال له عيسى ، عليه السلام:هكذا هلكت ؟ قال:لا . ولكني مت وأنا شاب ، ولكنني ظننت أنها الساعة ، فمن ثم شبت . قال:حدثنا عن سفينة نوح ؟ قال:كان طولها ألف ذراع ومائتي ذراع ، وعرضها ستمائة ذراع ، وكانت ثلاث طبقات ، فطبقة فيها الدواب والوحوش ، وطبقة فيها الإنس ، وطبقة فيها الطير ، فلما كثر أرواث الدواب ، أوحى الله عز وجل إلى نوح ، عليه السلام ، أن اغمز ذنب الفيل ، فغمزه ، فوقع منه خنزير وخنزيرة ، فأقبلا على الروث ، فلما وقع الفأر بخرز السفينة يقرضه وحبالها ، أوحى إلى نوح; أن اضرب بين عيني الأسد ، فخرج من منخره سنور وسنورة ، فأقبلا على الفأر . فقال له عيسى ، عليه السلام:كيف علم نوح أن البلاد قد غرقت ؟ قال:بعث الغراب يأتيه بالخبر ، فوجد جيفة فوقع عليها ، فدعا عليه بالخوف ، فلذلك لا يألف البيوت قال:ثم بعث الحمامة ، فجاءت بورق زيتون بمنقارها ، وطين برجليها ، فعلم أن البلاد قد غرقت . قال:فطوقها الخضرة التي في عنقها ، ودعا لها أن تكون في أنس وأمان ، فمن ثم تألف البيوت . قال:فقلنا:يا رسول الله ، ألا ننطلق به إلى أهلينا فيجلس معنا ويحدثنا ؟ قال:كيف يتبعكم من لا رزق له ؟ قال:فقال له:عد بإذن الله ، فعاد ترابا